الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (14)
بقلم: حسين سعد
معالجة الصعوبات الاقتصادية ومحاربة الفساد والتهريب، ومعالجة قضايا الفقر والبطالة والتضخم، وتدهور قيمة الجنيه وغيرها تعتبر من أهم المهام العاجلة للحكومة الانتقالية، ولكن التحدي الأكبر هو ضمان الإنجاز والنجاح، فالفشل ليس مطروحا ولا مسموحا به، وبالنظر إلى هذه الملفات سواء من حيث الأهمية أو من حيث الاستعجال، فإن الحكومة أمام تحديات مفروضة تتطلب من الشركاء الثلاثة إعطاء الاولوية لمستقبل البلاد فالشراكة أمام إمتحان تحدي النجاح ولا شيء غير النجاح.
إيقاف الأزمة الآن:
وفي مقال لهما بعنوان (يجب إيقاف الازمة الان: دعوة للمؤتمر المانحين من أجل السودان) نشرته صحيفة التيار كتب مدير مؤسسة فريدريش بالخرطوم أيربت فيليب س.يان، وغيريت كورتس باحث متخصص بالوقاية من الأزمات والشؤون الدبلوماسية في إفريقيا لدى المؤسسة الألمانية لشؤون السياسة الخارجية حيث قالا في المقال: ان عملية الانتقال السياسي في السودان تقوم على أسس هشة، وفوق ذلك أصابت أزمة كورونا اليوم البلد أيضاً! لا يُستبعد أن يعود القمع والعنف المنظم إلى السودان، ولمنع تحقُّق ذلك السيناريو يعتبر تنظيم الحكومة الألمانية لمؤتمر للمانحين خطوة أولى هامة ، وأضاف تشكل أزمة كورونا عبئاً كبيراً على العديد من دول العالم، فهي تُظهر بوضوح مخاطر العنف وعدم الاستقرار وعجز الدولة والقمع، وذات المخاطر موجودة في السودان،ستعقد ألمانيا في نهاية شهر يونيو هذا العام مؤتمراً دولياً للشراكة من أجل السودان، ومن أجل انتهاج سياسة خارجية استراتيجية ينبغي على الحكومة الألمانية أن تراعي في ذلك تجارب دولية سابقة وأن تعمل وفق مبدأ الوقاية من الأزمات.
أزمة اقتصادية طاحنة تضعف الحكومة الانتقالية:
وقال المقال ان الاقتصاد السوداني يعاني من أزمة عميقة، وقد حاول الرئيس المدحور أن يتمسك بالسلطة بواسطة صرف أموال هائلة ومنح امتيازات لقطاع الأمن، لكنه فشل في ذلك في النهاية. المعاناة كبيرة في البلد، فالتضخم المالي يفترس الأجور المتدنية أصلاً، والكثير من السودانيين لا يقدرون حتى على شراء السلع اليومية ذات الأسعار المدعومة. يحتاج نحو ربع سكان السودان إلى المساعدات الإنسانية، والدولة لا تستطيع وقف اتساع الأزمة لأن خزينتها فارغة، بعد أن تم صرف ما تبقى من احتياطي العملة الصعبة لدعم أسعار الوقود والقمح،والادوية وغيرها.
أطلقت الحكومة الانتقالية في الأسابيع الأخيرة برنامجاً اقتصادياً إصلاحياً واسع النطاق، حيث رفعت أجور العاملين في الإدارات العامة بنسبة تزيد عن 500 بالمئة، وأغلقت منافذ التهرب الجمركي وقدمت خطة لنظام تأمين اجتماعي، لكن من أجل تحقيق هذه الإصلاحات تحتاج الحكومة السودانية إلى دعم دولي. ويَعتبر معظم من يشاركون في السلطة السودانية الانتقالية أن مسؤولية الحصول على هذا الدعم تقع على رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بسبب علاقاته الدولية المتعددة.وسيكون من شأن مؤتمر للمانحين تُواكبه إصلاحات جديةأن يعزز الجانب المدني للحكومة مقابل قطاع الأمن، وإن لم يستطع ذلك المؤتمر أن يحل جميع معضلات العملية الانتقالية في السودان.
المؤتمر خطوة صحيحة ومنطقية
التخطيط لمؤتمر مانحين لتمويل برنامج الإصلاحات في السودان قائم منذ مدة طويلة، إلا أنه لم يمكن العثور على مضيف له قبل الآن. ألمانيا لعبت دوراً بارزاً في العملية الانتقالية حيث شاركت) كما كانت لها جهود سابقة في الوساطة في دارفور في تأسيس مجموعة (أصدقاء السودان، كما كان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أول زائر دولي إلى الحكومة الانتقالية السودانية في سبتمبر 2019، تلته زيارتان لوزير التنمية غيرد مولر ورئيس الجمهورية فرانك فالتر شتاينماير في بداية عام 2020. وبالتالي يبدو من الصحيح والمنطقي أن تستضيف ألمانيا مؤتمر المانحين أيضاً.
الدروس الدولية
ولكن ينبغي على الحكومة الألمانية أن تعمل جدياً لتتحقق التوقعات التي توقظها من خلال المؤتمر، وهنا ينبغي التركيز على محاور أربعة: أولاً، على المؤتمر أن يراعي تعقيد الوضع في السودان، حيث لا بد أن يكون هناك ربط بين المعونة الإنسانية والتعاون التنموي وحفظ السلام وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حتى ولو اختلفت آليات التمويل والتوجيه الخاصة بتلك المجالات، وإلا سيكون هناك خطر أن يعمل كل مجال من تلك الآليات على حدة. ومن شأن التركيز الكبير على منع اندلاع الأزمات أن يؤكد على حاجة الاقتصاد السوداني لتدابير تحقق له الاستقرار، وتدفع بالعملية الانتقالية نحو النجاح
ثانياً، على الحكومة الألمانية أن توفر، بالتعاون مع شركائها الدوليين كالأمم المتحدة، مشورة واسعة النطاق مرافقة للمؤتمر.
ثالثاً، على ألمانيا أن تقوم بتجميع وتشبيك مناهجها أكثر، ومن المفترض أن يكون هناك المزيد من التبادل والتنسيق بين القائمين على تلك المشاريع للتحضير لمؤتمر المانحين، وأخيراً فإن مصداقية الحكومة الألمانية، باعتبارها مضيفة المؤتمر، ستعتمد على المساهمة المالية الخاصة بها أيضاً.
جني ثمار السياسات الاقتصادية
الى ذلك توقعت اللجنة الاقتصادية بالحزب الشيوعي في بيان لها تشتد الأزمة الاقتصادية، وتتعرض الغالبية العظي من الناس لضغوط معيشية هائلة لا تقف عند حدود الارتفاع الجنوني في الأسعار وانفلات السوق، بل تتعداها لندرة السلع الضرورية وتفشي السوق الأسود، والتدهور اليومي في سعر الجنيه..وقال البيان ان كل ما يعتري المشهد الاقتصادي الراهن كان متوقعا،وسبق تحذير الحكومة منه،من معظم القوى السياسية ولجان المقاومة واللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير أو غيرهم من المهتمين بالشأن الاقتصادي، وأضاف البيان: إننا نجني اليوم نتائج السياسة الاقتصادية التي عبرت عنها موازنة 2020، والتي سقطت فعليا-بحسب نتائج أداء الربع الأول –والاصرار المتعنت على السير وفق سياسات صندوق النقد والبنك الدولي،فيما تسمى بالاصلاحات الهيكلية،وهي ذاتها السياسات التي كان يتبناها النظام البائد.
التضخم:
وأوضح البيان إن التقييم الاولي للربع الاول يشير الي أن الايرادات الفعلية بلغت فقط (47%) مما كان متوقعا،مقابل مصروفات فعلية بنسبة 73%،وعجز يبلغ 58.2%
(أكثر من 39 مليار جنيه)..والمؤشرات الأخرى تقول أن التضخم فوق ال٨١% وأن الاحتياطي من النقد الأجنبي بالبنك المركزي (صفر) بحسب تصريحات المسؤولين،وسعر الدولار في السوق الأسود حطم أرقاما قياسية..وسياسات الصادرات والواردات تشجع المضاربة في العملات وبالذات فيما يتعلق بالذهب والاتفاقية مع شركة الفاخر،واعتماد بنك السودان سعر الدولار في السوق الأسود في حساب الصادر والوارد،بالاضافة للسماح بالاستيراد بدون تحويل قيمة، وقال الحزب ان هذه السياسة تهزم أي أمل في اصلاح الاقتصاد ورفع المعاناة عن الجماهير كما عبر عن ذلك ميثاق الحرية والتغيير وبرنامج السياسات البديلة والمفترض أن يكون قاعدة للسياسة الحكومية في الفترة الانتقالية،والإصرار عليها يطرح سؤالا مهما حول الجهة المستفيدة مما يحدث،ويؤكد أن الثورة لم تخرجنا بعد من مستنقع التبعية الاقتصادية لرأس المال العالمي.
تحميل الفقراء:
وأكد البيان في مواجهة الأزمة الحالية فإننا ضد أي اتجاه لتحميل الفقراء مسؤولية تمويل الموازنة تحت مسمى رفع الدعم،أو تعويم الجنيه،فالموارد المتاحة كبيرة،وعلى وزارة المالية ألا تشكو الفقر، بل تتصدى بثبات لاحكام ولايتها على المال العام،ونقصد الترسانة الاقتصادية الأمنية والعسكرية التي لا زالت خارج يدها،وإعادة النظر في سياسة إنتاج وتصدير الذهب بما يضمن نصيبا معتبرا للدولة في الانتاج،وفرض ضرائب تصاعدية على امبراطوريات المال (بنوك-شركات اتصال-مجمعات عقارية ..إلخ)،بدلا عن الاصرار على زيادة أسعار السلع الضرورية.خاصة في ظل وضع صحي حرج يشمل العالم أجمع..فزيادة سعر المحروقات وبالذات الجازولين سيؤدي لنتائج وخيمة على صعيد القطاعات الزراعية والصناعية،من حيث زيادة التكلفة،وصعود الأسعار وضعف تنافسيتها أمام الواردات،وبالتالي السير في سياسة تحطيم الإنتاج المحلي والمنتجين.
إنفلات السوق:
كما أن الإعلان عن زيادة الأجور في القطاع العام (بشكل ارتجالي)دون أي ترتيبات اقتصادية فيما يتعلق بتركيز الأسعار أو كيفية توفيق أوضاع العاملين في القطاعات الأخرى سيؤدي إلي انفلات السوق وصعود الاسعار بشكل مريع،مما يعني انخفاض الأجور الفعلية،كما وسيؤدي لاحتقان ومطالبات جديدة قد تقود لتوترات اجتماعية تخدم أجندة الثورة المضادة ..كما وتطرح سؤالا حول مصادر تمويل هذه الزيادة..وعما إذا كانت جسراً لزيادة سعر المحروقات والدقيق والكهرباء.
نعيد التأكيد على أن الأزمة الناتجة عن تبني (اقتصاد السوق)،وتحجيم دور الدولة في الاقتصاد، وأكد البيان لن تعالج هذه الآليات الاقتصادية المؤقتة التي تحاول الآن أن تجد حلولا (بالقطاعي) لشح وندرة السلع الضرورية،طالما ظل الأفق غائبا في مجال سيطرة الدولة على مصادر النقد الأجنبي، وتصديها لاستيراد السلع الضرورية وبخاصة القمح والمحروقات،جنبا إلي جنب مع الاهتمام بالزراعة والصناعة التحويلية والنقل وضمان استقلالية البنك المركزي والرقابة الفعلية على الجهاز المصرفي ..والعمل على سرعة تغيير العملة،والسيطرة على سعر الصرف بما يدعم موقف الجنيه السوداني،وقال البيان إن الدور الإيجابي والبناء للجان المقاومة والتغيير في الأحياء في هذا الوقت،وتصديهم لتوزيع السلع مباشرة من المنتجين للمواطنين،يستدعي ضرورة الإهتمام بإعادة بناء منظومة القطاع التعاوني،وتعزيز دوره في الاقتصاد (الإنتاج والتوزيع)،والمزيد من تفكيك التمكين الاقتصادي لفلول النظام المباد،واسترداد المال المنهوب، والثقة بالنفس دون انتظار القروض والمنح الأجنبية المذلة..ونفتح الباب واسعا لتحقيق أهداف الثورة في العدالة والمساواة ومجانية الصحة والتعليم والتنمية المستدامة. (يتبع)