الخميس, أبريل 25, 2024
مقالات

الحكومة الإنتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (22)

بقلم: حسين سعد

أصدرت سكرتارية التدريب والبحوث والتخطيط بالحركة الشعبية شمال من ضمن سلسلة إصدارتها كتابها الرابع الذي إختارت له عنوان (المباديء فوق الدستورية الطريق الصحيح لوحدة الدولة السودانية) وشارك في الكتاب كل من مولانا متوكل عثمان سلامات ومولانا إدريس النور شالو، ويضم الكتاب مقدمة وخمسة فصول تناول الاول المبادئ فوق الدستورية،تعريفها، تاريخها، خصائصها، وأهميتها،وإستعرض الفصل الثاني حُجج المؤيِّدين والمُعارضين للمباديء فوق الدستورية،أما الفصل الثالث فقد تناول الفقه المقارن، ومبادي تشكل منصة تأسيس للدولة السودانية الموحدة والاستقرار الدستوري ،وإستعرض الكتاب نمازج من دول بنغلاديش والمانيا وتركيا والولايات المتحدة الامريكية وفرنسا،وبشأن المباديء التي تُشكِّل أساس للدولة السودانية الموحَّدة والإستقرار الدستوري شدد الكتاب علي ضرورة إقرار مبدأ  العلمانية والديمقراطية التعدُّدية والإعتراف بالتنوُّع وحسن إدارته، والتأكيد على إقرار وإحترم المواثيق الدولية ،وإقرار اللامركزية ،ورفض أي توجُّه دكتاتوري أو إنقلابي ،والمقاومة الشعبية ومُمارسة حق تقرير المصير، وناقش الفصل الرابع آليات صناعة الدستور وإجازته في الدولة السودانية  والمنبر التاوضي والموضية الدستورية والاستفتاء،وشمل الفصل الخامس سلطة الاغلبية وحقوق الاقليات والاغلبية المتعطلة والاغلبية المؤهلة ،ومفهوم العقد الاجتماعي،وكيف يمنع طغيان الاغلبية.

 ما نحتاجه لبناء دولة قوية:

وقال الكتاب تصبح الحاجة ماسَّة إلى هذه المباديء، ويرتفع الطلب عليها بشكل خاص في البلاد التي تحتاج إلى بناء نظامها السياسي والقانوني الجديد بعد المرور بفترة نزاعات عنيفة وحروب أهلية تؤدِّي إلى تحطيم الروابط المجتمعية والوطنية وأسُس التعايُش بين أبناء الوطن الواحد، وتُقسِّم الناس على أسُس ما قبل الدولة (طائفية – قبلية – إثنية – دينية) الأمر الذي يعني سيادة أجواء الشك والريبة والتوجُّس بين المكوِّنات المُختلفة في الدولة.

هذا بالضبط ما يحتاجه السودانيين لبناء دولة قوية ومُستقِرَّة وقابلة للحياة. فلابد أن تكون العلمانية وفصل الدين عن الدولة، بالإضافة إلى حق الشعوب السودانية في مُمارسة حق تقرير المصير متى ما رأت ضرورة لذلك، وقضايا الهوية، لا مركزية السلطة، .. وقضايا أخرى، من المباديء الرئيسية التي ينبغي أن تكون فوق الدستور – من أجل تحقيق السلام والإستقرار والوحدة والتقدُّم. وعلى النُخب السودانية – إذا كانت حريصة على وحدة وإستقرار البلاد أن تعمل للوصول لـ”مباديء فوق الدستور” تُحقِّق هذه الغايات بدلاً عن حشد الأنصار من الكُتَّاب والمُفكِّرين و أصحاب الإمتيازات التاريخية للتصدِّي للمطالب والقضايا الجوهرية المشروعة والوقوف ضدها، والتمترُس والتحايُل على طاولة التفاوض ورفض دفع إستحقاقات السلام العادل. فهذه المواقف يمكن أن تقود البلاد لنتائج كارثية وإنهيار كامل.

 صمت الاجداد:

وأوضح الكتاب ان الأجداد المؤسِّسون للدولة السودانية صمتوا بعد خروج المستعمر عن الإجابة على حزمة من الأسئلة، وعندما حاولوا الإجابة عليها كانت كل الإجابات خاطئة، لذا مازلت الأسئلة القديمة مُتجدِّدة و قائمة، مثل (كيف يُحكَم السودان ؟ ماهي هوية الدولة السودانية ؟، ما هي طبيعة الدولة السودانية ؟ .. وغيرها).

وتابع:عدم الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة أنتج عدة جدليات تفرَّعت من جدلية المركز والهامش، جدلية الضحية والمتهم، والوحدة والإنفصال، الأغلبية الأفارقة والأقلية العرب، الأقلية غير المسلمة والأغلبية المسلمة، السيد والعبد، العدالة والإفلات من العقاب، اللغة والرطانة، الكفار والمُجاهدين، العُملاء والوطنيين، واضاف الكتاب هذا الوضع المأزوم خاصة بعد فشل الحكومة الإنتقالية السودانية في التوصُّل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال إلى مُجرد إعلان مبادئ يحكم العملية التفاوضية ويضع أساس لمبادئ وقيم أعلى من الدستور تحافظ على وحدة الدولة السودانية، وفي ذات المنبر وفي مسارات أخرى تصل إلى إتفاقيات سلام ترتكز على تشويه وأقلمة جذور المشكلة السودانية، وتخلط بين الدين والدولة، وتُقيّد اللامركزية بهدف تكريس أكبر للمركزية، وهذا ما يفسر الكثير مما لم تجد له الشعوب السودانية

(الفهلوة) و(اللولوة) و(الجرجرة) تفسيرا للعملية.

 العلمانية:

  ولفت الكتاب الى ان هذا الوضع جعل ضحايا الإنتهاكات الإنسانية وضحايا دولة الأغلبية المُسلمة يطالبون بعلمانية الدولة حتى يتم الفصل التام بين الدين والدولة أو أن تلجأ لمُمارسة حق تقرير المصير خوفاً من مواصلة تهميشها وإبادتها ثقافياً وأسلمتها وإستعرابها  وإسترقاقها أو تكفيرها و إبادتها جسدياً.

وقال الكتاب في الجانب الآخر من الطاولة تطرح الحكومة الإنتقالية في السودان الشريعة الإسلامية  تحت مُسمَّيان مُختلفان شكلياً ومتَّفقان جوهرياً وهما (الدولة غير المنحازة) وهو مصطلح إستحبه العسكر السياسي في السودان بدلاً من إستخدام مصطلح (الدولة المدنية) الذي تبنَّته بعض قوى الحرية والتغيير. بغض النظر عما يقصده صاحب فكرة (الدولة غير المنحازة) إلَّا أن كلا المُصطلحان في الوقت الراهن يعتمدان الشريعة الإسلامية في الحكم إستنادا لمبدأ الأغلبية المُسلمة التي تُشرِّع القوانين للدولة، إلا أن مصطلح (الدولة المدنية) لا يختلف في سياقه الظرفي الآني عن مفهوم  (الدولة غير المنحازة) إلا لكونه يمنع العسكر السياسي من الحكم، وما بين ثنايا  المُصطلحان تقبع الدولة الدينية الإسلامية والإسلام السياسي، الأمر الذي جعل بعض ضحايا التَّهميش والإضطهاد الديني والعنصري يشعرون بالإحباط من جرَّاء مواصلة سياسة الإستغباء والإستحمار عليهم حتى بعد ثورة ديسمبر المجيدة.

تاريخ المبادئ فوق الدستورية:

هناك العديد من الدول التى سنَّت مجموعة من المبادئ فوق الدستورية، وذلك فى سياق تحوُّلاتها الديمقراطية وثوراتها ضد الأنظمة القمعية، وتُعتبر وثيقة الماجنا كارتا في إنجلترا، والتي تم سنَّها فى عام 1215 باسم «الميثاق العظيم للحريات فى إنجلترا» ومن ثم ظهر إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذى أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية فى 26 أغسطس لعام 1789، حيث يعتبر هذا الإعلان وثيقة حقوق من وثائق الثورة الفرنسية الأساسية وتُعرّف فيها الحقوق الفردية والجماعية للأمة.وبعدهما جاءت وثيقة الحقوق فى دستور الولايات المتحدة الأمريكية التى صاغها جيمس ماديسون، وصدرت فى ديسمبر لعام(1791) ، وهي تتألَّف من عشرة بنود وتسعى لضمان الحريات المدنية.

تجارب عالمية:

وإستعرض الكتاب تجاربعدد من البلدان منها  بنغلاديش حيث قال الكتاب أن الشعب البنغالي وضع تلك المبادئ في درجة فوق الدستور عندما جعلها دليلاً  أو مرجعية أساسية تعود إليه المؤسَّسات التي يعهد إليها تفسير الدستور. وكذلك تناول الكتاب تجربة ألمانيا وتركيا وامريكا وفرنسا،وإقترح الكتاب مبادئ تصلح لتشكيل منصة تأسيس للدولة السودانية الموحَّدة والإستقرار الدستوري وتابع (الآن ونحن جميعا نتابع  المنعطف التاريخي الخطير الذى تمُر به بلادنا، والذي يسوده جو من عدم الثقة من شعوب الهامش وضحايا الإسلام السياسي فى المستقبل، ليقينها و وفقاً لمعطيات طاولة التفاوض أن جماعات الإسلام السياسي تعمل على إعادة إنتاج نفسها من جديد لتعود للحكم وتُمارس هوايتها عليهم بالتهميش والإقصاء والإبادة. وقد أشرنا من قبل لما يجري في طاولة التفاوض في جوبا وتكتيكات وفد الحكومة الإنتقالية، الأمر الذي يدفع هؤلاء الضحايا للسعى بقوة بإتجاه مُمارسة حق تقرير المصير الخارجي.

 وفي الوقت ذاته يتردَّد ويتخوَّف الجُناة والمُتحالفين معهم من العيش في حرية وعدالة ومُساواة وفق تدابير مُحدَّدة تمنع فرض هويَّة إسلاموعروبية وتُجرِّم الرق الاسترقاق،وزاد( وفي خضم هذا التوتُّر الذي لا يُبشِّر بمستقبل جيد للأجيال القادمة، وتمنع الإضطهاد الديني والعنصري وتسييس الدين وغيره) فإننا نرى أن هناك ضرورة  مُلحَّة  لتبني الشعوب السودانية وبالأخص الشباب والمرأة تبني (مباديء تصلح لتشكيل منصَّة تأسيس للدولة السودانية الموحَّدة) ينص عليها في دستور دائم وتكون غير قابلة للإلغاء أو التعديل ولا يجوز مُخالفتها، تقود لتوحِّيد البلاد، وتساوي وتعدل بين الشعوب السودانية،  وتغلق الباب نهائياً أمام كل مشاكل الدولة السودانية التي تواصلت منذ خروج المُستعمر وإلى اليوم. وتتمثَّل هذه المباديء في الآتي 

الفصل بين الدين والدولة

 أوضح الكتاب إن العلمانية التي يجب أن تتبنَّاها الدولة السودانية تقوم على أساس مبدأ الفصل بين الدين والدولة، وذلك لضمان  إخضاع الظواهر الطبيعية أو التاريخية لمعايير التحقُّق، والتأكيد على التحوُّل المستمر للتاريخ، وإعتبار المؤسَّسة الدينية مؤسَّسة خاصة بينما الدولة مؤسَّسة عامة، وتلتزم الحكومة بفصل الدين عن الدولة، بحيث تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان، سواء كانت ديانات تعتنقها أغلبية ساحقة، أم أخرى تعتنقها أقلِّيات بغض النظر عن مصدر الدين، وتُسَن القوانين التي تمنع أي شخص من محاولة فرض دين  أو توجُّهات دينية على أي شخص آخر أو جماعة أخرى من المواطنين، مع الإحتفاظ بحق الدعوة والتبشير بالطرق السلمية للجميع بحيث لا يوجب أي إمتياز بحكم الأغلبية ولا ينتقص من هذا الحق وضعية الأقلية ، وذلك منعاً للتمييز بكافة أشكالِه.

لقد إزداد وعى الكثير من فئات الشعب السوداني بما هو المقصود بالعلمانية، وعرفوا كذلك أن العلمانية هي الوصفة السحرية الناجعة  للإدارة الجيِّدة للتنوُّع والتعدُّد الديني، العرقي والثقافي في السودان، وأنها – أي العلمانية – هي العلاج القوي الذي سيجعل من سلامة تماسُك جسد الدولة السودانية مسألة حتمية دون حاجة لإجراء عمليات جراحية لإستصئال أجزاء سليمة ما زالت تنادي بالوحدة الحقيقية  من جثمانها الموبوء . أما البعض القليل من أفراد  الشعب السوداني فهم ما بين مُتردِّد أو جازم بأن العلمانية تدعو إلى الإلحاد وتُحارب الدين والعبادات.

إقرار اللامركزية

وشدد الكتاب علي ضرور أن تقر الدولة نظام حكم لامركزي حقيقي يجعل السلطة قريبة من الشعب ويتَّسم بالمُشاركة الشعبية، والشفافية، والمُحاسبة، وإحترام حكم القانون، وذلك لخلق بيئة مناسبة لتسريع التنمية الإقتصادية، والإجتماعية وتحقيق الرفاهية. على أن يتأسَّس هذا النظام اللامركزي على الآتي :

1. إعادة هيكلة السلطة المركزية بصورة جذرية تلتزم بمصالح كل السودانيين، خصوصاً في المناطق والمجموعات الإقتصادية، والإجتماعية المهمشة والفقيرة؛

2. إعادة تعريف العلاقة بين المركز والأقاليم، ومنح سلطات أوسع لهذه الأقاليم؛

3. تقوية أجهزة الحكم المحلي لممارسة الصلاحيات الدستورية والقانونية.. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *