الجمعة, أبريل 19, 2024
مقالات

الثورة مجيدة فهل الممارسة رشيدة؟

بقلم: خالد فضل
عندما كانت الشابات والشباب والصبية والصبيات يتدافعون بحماس صوب مواقع بدايات المواكب وفق الجداول الإسبوعية لتجمع المهنيين السودانيين , كانت فئات المجثمع الأخرى تتوزع بن الرهبة والشفقة , الحدب والدعم , والإزدراء والتسفيه من جانب آخر , كان المرجفون يثيرون الغبار حول حركات الأولاد الشيوعيين والبنات المطلوقات والشماشة الضائعيين ثم الدارفوريين الموتورين ؛ وقد بلغ الأمر بسدنة الإستبداد وقتها أن أذاعوا بيانا عند منتصف الليل بعد طول تنويهات وتشويق فإذا بوزير الدولة للإعلام يخرج على الناس ببيان إلقاء القبض على عصابة الدروشاب المنتمية لجماعة عبدالواحد والتي تخطط لإغتيالات وسط المواكب , جاء الرد الواعي سريعا وفي صبيحة اليوم التالي عند أول موكب فالهتاف صار بعد الشعارات المعروفة حرية سلام وعدالة , جاء الصوت الشاب حاسما يشق عتمة الغبار وينير الطريق لوعي جديد بالوطن ( يا عسكري ومغرور كل البلد دارفور ) لقد نزلت تلك العبارة بردا وسلاما على قلوب المناضلين من أجل التغيير الحقيقي في البلاد .
ثم كان ما كان من أمر الإعتصام العظيم في ساحات القيادة العامة للجيش في وسط الخرطوم , لقد صار الأولاد الشيوعيين ثوار آخر الليل وحراس المتاريس وسقاة الظمأى ومقدموا الوجبة والعلاج والحصة لمن فاتهم التعليم , وصارت البنات المطلوقات كنداكات ملء السمع والشوف , وصار الشماشة جمهورية أعلى النفق , فيما صار المشردون قطار عطبرة وموكب مدني وثوار كسلا , وعشنا لنرى ولله الحمد كيف أنّ همة شباب السودان وشاباته لم تهمد كما كان يتردد في جلسات النميمة وتعليقات الإشمئزاز من حالقي الشعر كيف كيف والبناطلين (ناصلة) , ولكن كانت العقول حاضرة والوعي تمام والعزيمة والتصميم لا تحدها حدود , كانت ملاحم الإعتصام مما لا يمكن إحصاء فضائلها الكثر , فقد تشجّع المترددون فانضموا أفواجا أفواجا حتى بلغ العدد في بعض الأوقات (ملايين), كل لافتة ظهرت جابت أرض الإعتصام بحرية وسط الحفاوة , كل علم ارتفع في الساحة دون (قيد) أو حجر على الفنون والرسم والتلوين , كان هذا هو سودان الحلم الفسيح , فصار المندسون أكثر غيظا , كلما تحقق الحلم من التحقق زادوا ضراوة , هكذا الصراع بين الخير والشر طبع متأصل في البشر , أذاعوا عن الساحة (الفرى) , ودمغوا كل الساحة ببعض ممارسات كولومبيا من بعض الثوار أو الزوار أو العساكر . وانبرى بعض شيوخ الظلام وأئمة التضليل في المساجد ينشرون ما تمليه عليهم دوائرهم المريضة وقلوبهم السقيمة وعقولهم الكليلة , ولكن كان الثوار في فعلهم المجيد , والكنداكات في لوحتهن المبهرة المعجزة , وكانت (منبرشات )وسط الهدير !
الثورة لم تنته بنزع المخلوع من السلطة , كان الوعي يتجه صوب بناء دولة مدنية كاملة فكان الصراخ العالي الذي يشق الفضاء ويصم الآذان (مدنياااااو) فارتعب الفلول , استجمعوا قواهم ثم كانت جريمة فض الإعتصام في ذلك الفجر البهيم والدنيا قبايل عيد ؛ حتى تكون الصدمة أوقع وأوجع ! ولكن همة شباب السودان وشاباته لم تفتر أبدا فكانت 30يونيو الهادرة استردادا لروح الثورة وتأكيدا على أن الجذوة لم ولن تنطفئ في النفوس , استجمع الثوار قواهم مرّة أخرى ومن بين آلام فض الإعتصام أشرق الوعد ساطعا (مدنيااااو) , ثم جرى ما هو معلوم حتى الوثيقة الدستورية السياسية .
وتشكّلت السلطة التنفيذية المدنية , من رئيس الوزراء إلى كل الأطقم التنفيذية في الوزارات والمصالح الحكومية المدنية إلى حكام الولايات مؤخرا , لا يمكن بأي حال من الأحوال التبرؤ منهم , فهم من طرف قوى الحرية والتغيير ذلك التحالف الذي نظم الصفوف وقاد الثوار , فمن غير المنطقي تبخيس دوره لمجرد اختلاف , المهم أنّ السلطة الآن بيد من يفترض أنهم صناع الثورة وقوادها , الإخفاقات يجب تحملها بجسارة والعمل فورا على تصويبها , فالبناء كما النضال لا يسير في خط تصاعدي دوما , هناك عثرات ومتاريس ومستجدات وعكننات بعضها ذاتي ناجم عن قصور البشر المكونيين للتحالف والسلطة وبعضها بفعل عامل خارجي , فالطريق نحو بناء دولة مدنية دونه صعوبات وأهوال , بيد أن جذوة الثورة ووعي شبابها وشاباتها أقوى . هذا هو العشم والرجاء في أن تكون الممارسة كما الثورة المجيدة , المقياس ها الثورة وتضحيات الشهداء والمصابين والمفقودين , ولكن حتى هذا المقياس لا يستخدم خبط عشواء أو ذريعة للهجوم على الناس , هو مقياس موضوعي يجب استخدامه كذلك بموضوعية بعيدا عن تهمة (خيانة الشهداء مثلا ) فليس من المتوقع أن يكون بين عنفوان الثورة والثوار (خونة ) إل هذا الحد , ربما بيننا ضعاف أو ذوي قصور هنا أو هناك أما خونة فهذه كبيرة .
إنّ ممارسة السلطة ليس بالأمر السهل , البيروقراطية تلجم أحيانا , توخي العدالة عسير يبطئ المسير أحيانا , وهكذا , نلب فقط رشد الممارسة وإن كانت دون الطوح , نأمل في استعدال المسار وتصحيحة كلما انحرف , فالتحول لا يحدث ضربة لازب كما يقال . والديمقراطية تبنى قشة قشة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *