الجمعة, أبريل 19, 2024
مقالات

حدود مرنة ومفتوحة بين دولتي السودان وجنوب السودان

بقلم: حيدر المكاشفي

كلما جاء ذكر موضوع ترسيم الحدود بين دولتي السودان وجنوب السودان، ذكّرني ذلك بفيلم الحدود الساخر الذي أبدع فيه تمثيلاً الفنان السوري الكبير دريد لحام، وأجاد الكاتب الكبير السوري أيضاً محمد الماغوط إعداد السيناريو له. والفيلم لمن لم يتابعوه من قبل، ولتنشيط ذاكرة من تابعوه ابتغاءً للذكرى التي تنفع المؤمنين، تدور أحداثه الكوميدية حول سائق سيارة وظّفه المؤلف كأداة للسخرية من ادعاءات الوحدة العربية والتعاون العربي. كان هذا السائق في رحلة بين بلدين، إحداهما تقع إلى الغرب وتسمى غربستان، والأخرى إلى الشرق واسمها شرقستان، وتشاء الأقدار بل بالأحرى يشاء مؤلف الفيلم أن تضيع كل الأوراق الثبوتية لهذا السائق بما فيها جواز السفر في المنطقة الحدودية الفاصلة بين غربستان وشرقستان، والحقيقة أن الضياع لم يشمل الأوراق فحسب بل شمل السائق نفسه الذي ضاع وتاه هو الآخر ووجد نفسه في منزلة بين منزلتين، فلا هو يستطيع دخول البلد الذي أتى إليه بسبب ضياع أوراقه الثبوتية، ولا هو يستطيع العودة إلى داخل البلد الذي غادره، لذات السبب، في الحالتين كان هو الضائع، فقد أصبح بلا هوية ولا أهل ولا بلد، فقط هو والسيارة والليل والنجم والمساء، فما كان منه إلا أن نصب خيمة لنفسه في المنطقة الحدودية التي تتوسط المسافة بين البلدين وأقام فيها، وبدأ في تكييف حياته على هذا الوضع الغريب والشاذ وكانت حياة حافلة بمفارقات ومعاكسات عديدة استفاض الفيلم في شرحها من خلال الأنماط المختلفة من الناس الذين كان يلتقي بهم هذا السائق المنكوب في برزخه العجيب، هذا الفيلم وإن كان قد تم إنتاجه وعرضه في النصف الأول من الثمانينيات وبهدف السخرية من ادعاءات الوحدة العربية التي يُفترض أن تنشأ بين بلدان وأقطار مستقلة، إلا أنه الآن وفي الهزيع الأخير للعقد الأول من الألفية الثالثة يصبح أكثر تعبيراً وإفصاحاً عن الأوضاع التي يعيشها بلدان كانا بلداً واحداً هما دولتا السودان وجنوب السودان.

واليوم وعلى ذكر الاجتماعات المشتركة التي انعقدت وما تزال تنعقد بين الاختصاصيين في نزاعات الحدود بين البلدين، تذكرت هذا الفيلم المُعبّر عن الحدود، ولكن ما يطمئن أن عملية ترسيم الحدود بين السودان وجنوب السودان الجارية الآن، إنها لن تتسبب في أي فصل وجداني أو جغرافي بين الشعوب من الطرفين على امتداد الحدود المشتركة بينهما، كما أنها لن تتسبب في أي نوع من التوتر بين البلدين، وإنما سيعمل الطرفان من أجل أن تكون المناطق الحدودية نموذجاً للتعاون بين البلدين، والمعروف أن المناطق الحدودية المتنازع عليها بين البلدين، تشمل خمس مناطق هي دبة الفخار، المقينص، ومنطقة كاكا التجارية ومنطقة الـميل (14)، وكفيا كنجي، وحفرة النحاس، وما يطمئن أن الروح الودية والإيجابية التي سادت التفاوض بين الجانبين، ستفضي إلى توافق واتفاق يجعل من الحدود المشتركة بينهما كافة وليست فقط المتنازع عليها، مناطق للتعايش والتساكن وتبادل المصالح، ولن تكون للتشاكس والتنازع وإثارة العكننة، وقد أكد على هذا المعنى رئيس المفوضية السودانية القومية للحدود د. معاذ تنقو، بقوله إن السودان ودولة جنوب السودان سيشكلان لجنة فنية من 80 عضواً لوضع العلامات في حدود البلدين يناير المقبل. وقال تنقو في كلمة أمام اجتماع اللجنة المشتركة بالخرطوم إن الحدود هي لتحديد السيادة ولكنها لن تكون جامدة، وإنما ستكون مرنة مفتوحة تراعي أهل المصلحة، وتطور مصالحهم المشتركة.. وهذا هو المفروض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *