هالة الكارب لـ (مدنية نيوز): الحكومة الانتقالية أبقت على القوانين التي تؤسس لقهر النساء
* المنظومة العدلية ليس لها القدرة على تحقيق العدالة وخيار المحاكم الدولية مفتوح
* نحن نعيش على نهج ومنظومة المؤتمر الوطني
* حدث تراجع واستهتار بمطالب النساء في العيش الكريم والمساواة
* لم يتم إشراك النساء في مناطق النزاعات في عملية السلام
حوار: عازة أبو عوف
انتقدت المديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي (صيحة) هالة الكارب، عدم قيام الحكومة الانتقالية بإجراء إصلاحات قانونية تنهي انتهاك حقوق النساء في السودان، بجانب عدم التوقيع والمصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واعتبرت ذلك استهانة واستهتاراً بحقوق النساء.
ورأت المديرة الإقليمية لشبكة نساء القرن الأفريقي في حوار مع (مدنية نيوز) أن الحكومة الانتقالية تسير على نهج النظام المخلوع وتعيش في عزلة بينها والمواطن.
وفي هذا الحوار أجابت هالة عن كثير من التساؤلات المتعلقة بالأوضاع القانونية والشؤون النسوية، تجدون رؤاها في الحوار التالي :
انتقادات شديدة وجهت للحكومة الانتقالية باعتبار أنها لم تتعامل مع قضايا النساء بجدية ما رأيك ؟
لاشك أننا نعيش في حالة احباط حيث كنا نتوقع أن يكون التغيير الجذري للقوانين مسألة بدهية، وكان يفترض أن يتم كجزء من تكوين حكومة انتقالية يجب أن تكون ساعية للتغيير الحقيقي.
ولذلك يجب أن يكون التغيير ليس تغيير شخصيات فحسب، ويجب أن يحوز تغيير السياسات والقوانين على أولويات حكومة الثورة، فهذا الاحباط يرجع لعدم حدوث ذلك، بالإضافة إلى عدم تغيير النهج الذي كان يتعامل به النظام السابق مع المواطنين، وخاصة النساء.
قبل عام طالب الموكب النسوي بضرورة تغيير القوانين التي تتضمن انتهاكات للنساء والمصادقة على (سيداو)، هل وصلكنّ رد من الحكومة على مطالب النساء ؟
دعيني أوضح أولاً أن الموكب النسوي، حينما طالب بالمصادقة والتوقيع على (سيداو) كنا نعتقد أننا نتحرك في مساحات الشرعية الثورية ومشروعية التغيير، لكن للأسف لم تبدر من الحكومة أية استجابة، وحدث تراجع واستهتار بمطالب النساء في العيش الكريم والمساواة وهذا مؤشر خطير يدل على الاستمرار في النهج القديم، خاصة أن النساء من أكثر الفئات التي كرست (الانقاذ) قوتها لاستهدافها، فالتعامل بعدم وعي تجاه رفع الظلم عن أكثر شريحة تضررت من العهد البائد، وبالإضافة إلى ذلك فإن قضية التغيير الجذري وتغيير الواقع تحتاج إرادة سياسية، لكن هذا غير موجود وليست هناك رغبة وإرادة سياسية لإحداث تغيير شامل.
في تقديرك ماهي الآثار المترتبة على عدم الاستجابة لمطالب النساء ؟
بالتأكيد أن عدم تدخل الدولة وترددها في اتخاذ قرارات إيجابية لصالح النساء سيعرضهن لعنف، وفي اعتقادي أنه سيتمادى بدليل أن نسب العنف العشوائي ضد النساء ارتفعت بعد الثورة لعدم وجود حماية قانونية، واعتقد أن عدم تغيير القوانين بمثابة رسالة واضحة للمعتدين بالضو الأخضر وعدم وجود عقاب.
في رأيك، هل عدم استجابة الحكومة متعمد؟
أعتقد أن عدم الإرادة والاهتمام بحقوق المواطنة من سمات دولة ما بعد الاستعمار، ومن سمات النخب السودانية التي تتمثل في الاستهانة بحقوق المواطنين وتهميش تطلعاتهم.
هناك انتقادات لخطابات رئيس الوزراء الأخيرة لخلوها من القضايا التي تخص النوع، ما رأيك ؟
لن أستغرب الأمر، عليهم أن يعلموا أن قضية النساء ليست لها علاقة بالمجتمع الدولي وهي مرتبطة ببنية الدولة السودانية، لكن دائماً يتم استخدام الحديث عن النساء لإرضاء المجتمع الدولي وليس لعلاقة بمعاناة المرأة السودانية.
الكثير من المدافعات عن حقوق النساء يعتبرن أن قانون الأحوال الشخصية يكرس لاضطهاد المرأة ما رؤيتك في هذا الجانب ؟
نعم قانون الأحوال الشخصية هو أحد مرتكزات انتهاك حقوق المرأة في السودان، لكن يجب النظر لكل القوانين والتشريعات التي تقنن للعنف، حيث يتجلى العنف في القانون الجنائي وفي شأن الولاية وما يتعلق بحقوق المواطنة، وكل هذه القوانين تؤسس لقهر النساء ولا توجد حماية حقيقة للنساء.
تعهد وزير العدل أثناء حديثه للموكب النسوي بتنفيذ توصياتكن، في تقديرك لماذا التأخير في اصدار قرار بذلك ؟
في شهر أكتوبر ٢٠١٩ وعدنا وزير العدل بالمصادقة والتوقيع على (سيداو) وأبدى استعداده لذلك، لكن بعد ذلك حدث تجاهل تام لمطالبنا، وفي خطوة أخرى ارسل الموكب النسوي تساؤلاً لرئيس الوزراء حول أسباب التأخير، وتم الرد بأن رسالتنا وصلت، لكن إلى يومنا هذا لم يصلنا رد عن محتوى الرسالة.
ما هو تعليقك على عدم الرد ؟
يمثل استهانة بحقوق النساء ويتم التعامل مع قضاياهن باعتبارها هامشية على شاكلة (ديل في شنو ونحن في شنو؟)، وردنا عليهم (اذا استهنت ب٥٠%من سكان البلاد، ماذا تبقى لتحققوا مطالبهم؟).
بالعودة إلى اتفاقية (سيداو) ما هي المكاسب التي يحققها التوقيع على تلك الاتفاقية ؟
التوقيع عليها ميزته الأساسية أنه يوفر إطاراً قانونياً نستلهم منه وضع تشريعات عادلة، بالإضافة إلى ذلك فإن اتفاقية (سيداو) تتيح لنا إطاراً عاماً نناضل من خلاله، ولكن إذا تم التوقيع دون إصلاح قوانين ستصبح (سيداو) مثل القرار (١٣٢٥) المتعلق بقانون الأمن والسلامة.
كمراقبة ماهو تقييمك لأداء الحكومة الانتقالية ؟
من أخطر الأشياء أن الحكومة لا تنظر إلى الداخل وتركز على الخارج، ولابد من وجود توازن بين الداخل والخارج، فسياسة الحكومة بها نوع من المفارقة بين واقع حال المواطنين والعزلة، وأعتقد أن الحكومة تعيش في عزلة بينها والمواطنين وهذه مشكلة كبيرة يجب تداركها.
ألا تعتقدي أن ما تسميه عزلة قد يتم استغلاله من قبل القوى المضادة للثورة؟
بالتأكيد سيتم استغلاله، وبسبب نهج الحكومة القوى المضادة تكسب يومياً أرضية جديدة، ولو لا المد الشعبي ووضوح الناس تجاه الثورة كنا سنواجه مشاكل أكبر، للأسف هؤلاء ليس جذريين في مواقفهم وحديثي هذا لا يعني أننا نتنكر لوجود مشاكل حقيقية بالبلاد بعد الانقاذ، لكن ما أريد أن أقوله هو أن الشعب السوداني كان له الرغبة في التطوع والعمل في سبيل إعادة بناء السودان لأننا نؤمن بأن عملية إعادة البناء شاقة وتستلزم استنفار كل القوى، بجانب ضرورة وجود قيادة حاسمة وقوية لكن هذا لم يحدث (بقينا نتلفت)، ومن الواضح أننا نمر بمرحلة انحسار ويجب أن لا تتسبب في التفريط في مكتسباتنا، وأن نؤمن بأن الثورات قادرة على تطوير أدواتها وأن نواجه ونكون قادرين على محاسبة المسؤول الذي يقصر.
كثر الحديث عن لجنة التحقيق في مجزرة فض الاعتصام، هل ترين أن تأخر اللجنة في تقديم تقريرها يقدح في قضية العدالة الداخلية ؟
هذه قضية محزنة ومعقدة جداً، فالمحزن هو طول الانتظار غير المبرر للعدالة، والتعقيد يرجع إلى أنه كلما طالت مدة إعلان التقرير كان من الصعب تحقيق العدالة.
بعد ظهور المقابر الجماعية للمفقودين برزت مطالبات باللجوء إلى المحاكم الدولية، في رأيك هل المطالبات هذه بمثابة فقدان للثقة في العدالة الداخلية ؟
قبل إجابتي على السؤال أريد أن أشير إلى الإعلان عن مقابر جماعية واعتبر ذلك انتصاراً لأجندة الثورة، ومن المتوقع وجود مقابر جماعية وهذا ما كنا نعيشه، ولذلك الكشف عنه عمل جيد.
وفيما يخص حديثك عن العدالة أقول إن اي طريق يوصل للعدالة يجب أن نسير فيه، ومن المهم جداً الطرق على قضية العدالة بانتظام مع ضرورة الحديث عن الظلامات التي وقعت وهذا هو السبيل الوحيد لعدم تكرارها.
جانب آخر من السؤال هو اللجوء إلى المحاكم الدولية وفقدان الثقة في القضاء السوداني، ورأيي الشخصي هو إذا كانت المنظومة العدلية بشكلها الرث هذا ليس لها القدرة للتصدي لهذه الحقوق فيصبح اللجوء للمحاكم الدولية خياراً متوقعاً لأن المنظومة العدلية لم تسع لكسب الثقة، فنحن نعيش حتى الآن في منظومة المؤتمر الوطني.
في ظل حديثنا عن العدالة برزت كثير من التساؤلات عن كيفية تحقيق العدالة الانتقالية ما هي رؤيتك لتحقيقها ؟
أعتقد أن موضوع العدالة الانتقالية شامل وله ارتباط وثيق بعملية البناء والتنمية ورد الحقوق لأصحابها، وإذا لم يتم ذلك ستتم إعادة إنتاج الظلامات، وليس من العدل أن يقتل شخص الآلاف من المواطنين ونمنحه صك غفران بقولنا (عفا الله عما سلف).
ويجب أن يتم الحديث عن الجرائم التي وقعت ومعرفة مرتكبيها ثم رد الحقوق، مع ضرورة توفر آليات لضمان عدم حدوث هذه الانتهاكات مجدداً.
البعض يعتقد أن عملية المحاسبة على الجرائم قد تواجه بتعقيدات أبرزرها وجود شخصيات متهمة وموجودة على رأس السلطة ماذا تقولين في هذا الصدد ؟
الأمر ليس بجديد ففي جنوب أفريقيا بعض الأشخاص الذين كانوا في السلطة تم اتهامهم بأنهم جزء من المشكلة، وما أريد أن أقوله هو أن هناك صياغات مختلفة لمثل هذه الإشكاليات، لكن هناك أمر أساسي هو حدوث إصلاحات قانونية تتم عبرها إدانات جماعية وفردية وتمكن من تقديم جناة بعينهم للمحاكمات حتى نصل لمرحلة التعافي.
كثير من الانتقادات وجهت للكيفية التي تمت بها مفاوضات سلام السودان في جوبا وعدم إشراك النساء في مناطق النزوح ؟
للأسف لم يتم إشراك النساء مطلقاً ولأصدقك القول حتى المواطنين لم يتم إشراكهم، فالسلام الذي تم مع الحركات المسلحة، ويبقى السؤال (إلى أي مدى هذه الحركات تعبر عن المواطنين في مناطق النزاعات؟)، وبجانب ذلك هناك حركات مسلحة لم توقع.