الجمعة, أبريل 19, 2024
تحقيقات

الرحل بجنوب كردفان.. الشريحة المنسية و(البقرة الحلوب) للإيرادات للحكومة والمعارضة الجنوبية

قضية يطرحها: محمد إبراهيم الخليفة

(الرحل بولاية جنوب كردفان يعطون كل شيء ولا يتلقون أي شيء من الخدمات والرعاية)، تحت هذه العبارة الموجزة تحدث صاحب الأبقار كرشوم التوم لـ(مدنية نيوز)، عن سوء الأوضاع التي يرزح تحتها الرحل والتهميش الذي يعانون منه، فبإنتاجهم يساهمون بشكل مقدر في موازنة البلاد وفي ذات الوقت لم يتلقوا أية خدمات نظير مساهماتهم تلك، فحتى حماية القطعان والمواشي يتولاها الرحل بأنفسهم ويتعاونون فيما بينهم بما يسمى (الفزع) وهو عمل جماعي يقوم به أفراد العشيرة لاسترجاع الأبقار التي تسرق من قبل اللصوص .

جنوب كردفان التي تقع في حزام السافنا الغنية والمناخ شبه الاستوائي تمثل بيئة خصبة لتربية المواشي (الأبقار والأغنام)، وتعد الولاية من أكثر الولايات من حيث عدد الأبقار والممارسين لمهنة الرعي، فطوال تاريخهم ظلوا منسيين ومهمشين من قبل الحكومات المتعاقبة، ويتم الالتفات إليهم  في لحظات الانتخابات لضمان أصواتهم أو ذهاب سيارات الشرطة ومعها موظفون في ديوان الزكاة والمحليات لتحصيل نصيب الحكومة من الضرائب والرسوم، (هذه هي رؤيتهم تجاه السلطة).

وبين الرحل تتفشى نسبة الأمية بدرجات كبيرة، ففي لقاء سابق لوزير التربية والتعليم بروفيسور محمد الأمين التوم، رصدته (مدنية نيوز)، اعترف الوزير خلالها بأن الرحل هم أكثر الجماعات المنسية ولم يحصلوا على حقهم في التعليم، وفي ذات الوقت كشف عن غياب شبه تام في مدارس الرحل وكل معينات التدريس بما فيها الإجلاس والكتاب المدرسي وغيره.

إشكاليات قائمة

والرحل لم يظلموا في التعليم فقط، بل يتعدى ذلك إلى التهميش في الخدمات الصحية للإنسان وغياب الرعاية البيطرية للمواشي والقطعان، وشح في المياه النظيفة، وارتفاع وفيات الأطفال والأمهات بحسب إحصائيات وتقارير وزارة الصحة، وتفشي الأمراض المنتقلة من الحيوان للإنسان.

ومن الإشكاليات التي تواجه الرحل هي (مسارات الرعي) التي تقاطعت وتداخلت مع المشاريع الزراعية، وبعض المسارات قفلت بسبب الحرب، والحرب القبلية الأخيرة التي اندلعت بين قبيلتين في  محلية قدير (كالوقي) كان سببها الأساسي مسار الرعي، ولا تزال المشكلة لم تحل بعد، على الرغم من تشكيل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لـ(لجنة المساعي الحميدة) برئاسة الشرتاي إبراهيم عبد الله، وتقديمها للتقرير الأولي لحمدوك، إلا أن العمدة  يحيى الشيخ السيد، أكد لـ(مدنية نيوز) أن أي حل لا يلزم القبيلتين بمسار الرعي المحدد فإن المشكلة القبلية لم تنطفئ ويعد بمثابة مسكن للألم.

وطبقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء في عام 2009، فإن 9.1% من سكان السودان مارسوا نمط الترحال في جميع البلاد, وبحكم طبيعة جنوب كردفان باعتبارها منطقة رعوية وزراعية فإن نسبة ممارسة الرعي تبلغ حوالي 50% من جملة السكان.

الصحة

الطبيب علي بشير، هو من سكان منطقة (أبوجبيهة) وناشط في قضايا المنطقة، وتعد مدينة (أبو جبيهة) من أكبر المدن في الولاية وتحظى بعدد ضخم من الرحل، ذكر أن الرحل في المنطقة يتعرضون لأنواع شتى من التهميش، وأضاف: (خلال فترة الصيف والخريف أي في ترحالهم بحسب فصول السنة بحثاً عن الكلاً لماشيتهم يعاني الرعاة “الرحل” من بعد المسافة لأقرب مركز تلقي الخدمات الطبية، لا يتوفر تأمين صحي لهم ولماشيتهم وضأنهم وماعزهم، عدم توفر مياة نقية للشرب لهم ويشاركون الحيوان في مصادر المياه، وعدم توفر معلمين أو مدارس مما يزيد من نسبة الفاقد التربوي).

وفي ذات الاتجاه كشف الطبيب علي بشير، عن عدم وجود كوادر طبية أو منشآت صحية أو أدوية مخصصة للرحل، ونبه إلى غياب اللقاحات للمواشي، وعدم توفر كوادر طبية بيطرية أو منشآت أو معامل بحوث، بجانب انتشار الأمراض المنقولة من الحيوان للإنسان.

قوات أجنبية تتحصل رسوماً من الرحل

وكشف د. علي بشير، عن حقائق صادمة يتعرض لها الرحل بسبب غياب الأمن وعدم حماية السلطات لهم، ولفت إلى تعرض الرحل للمضايقات من قبل  قوات تتبع لأحد الفصائل المعارضة لحكومة جمهورية جنوب السودان، وتتواجد داخل الأراضي السودانية مع الحدود مع دولة جنوب السودان، وتابع علي بشير، أن تلك القوات  تفرض ضرائب باهظة على قطعان الماشية والمشاريع الزراعية والصمغ العربي.

وأردف: (تعدت تلك القوات على مناطق الحمرة أم خويتم، المقينص وقريض، التي تتبع إدارياً لمحلية أبوجبيهة، وفرضت ضرائب قدرها “١٥٠” ألف جنيه لمراح البقر -المراح هو قطيع الماشية أو ما يعادل 100 رأس-  و”٨٠” ألف جنيه لمراح الضأن والماعز، وكل من يخالف ذلك يتعرض للمضايقات أو أخذ الضريبة بالقوة).

وهذا النوع من الممارسات، حيث يتعرض مواطنون سودانيون للانتهاكات داخل أراضيهم من قبل قوات لدولة أخرى أثار الكثير من الغضب على المستوى المحلي.

تهديد السلم الاجتماعي

الناشط في قضايا الريف والرحل بولاية جنوب كردفان الماحي الفكي شابو، أشار في إفادته لـ(مدنية نيوز)أمس الأول، إلى أن الرحل ظلوا يعانون طوال فترة الحكومات السابقة، ويعانون من تردي كل الخدمات ومن أبرزها التعليم، وقال: (هنالك نقص حاد في مدارس تعليم الرحل ونقص في المعلمين، وهي مشاكل متجذرة تفضي إلى عدم اجتهاد أولياء الأمور في تعليم أطفالهم)، وذكر الماحي، أن أطفال الرحل من الذكور لا يكملون تعليمهم ولا يتجاوزوا المرحلة الأولية وهم يعتبرون الأوفر حظاً في التعليم مقارنة مع الفتيات حيث هنالك غياب تام لتعليمهن.

 ونبه الماحي، إلى أن استمرار تهميش الرحل هو مدخل لتهديد السلم الاجتماعي عبر تهميشهم المستمر من قبل السلطات في الخدمات، ولا يوجد سلام حقيقي إذا لم تعالج قضايا الرحل وشعورهم بأن الحكومة تعمل من أجل مصلحتهم، ولفت إلى أن هذا التهميش نتج عنه ضعف انتماء بعض الرحل لمؤسسات الدولة، حيث ينظرون لها باعتبارها مؤسسة تتحصل منهم الضرائب والزكاة وغيرها، وتنامى شعور الظلم من هذه المؤسسات.

وكشف الناشط في قضايا الرحل الماحي، عن استهجان ورفض تام من قبل الرحل لتعامل الحكومة معهم في تحصيلها لرسوم القطعان عبر المحليات وتحصيل الزكاة، وعدم تقديم الحكومة لأية خدمة تذكر، واستطرد بالقول: الحكومة تعلن عن محاولات لجمع السلاح من المواطنين في المنطقة بما يهم الرحل وهم اشتروا هذا السلاح من حر أموالهم عبر بيع جزء من الأبقار، واعتبر أن هذه الخطوة غير عملية خاصة وأن الرحل يمتلكون السلاح لحماية وتأمين قطعانهم من السرقة في ظل غياب الأمن ونقاط الشرطة.

وأبدى الماحي استغرابة لخلو الولاية من مركز أبحاث بيطري وخلو الخدمات البيطرية المقدمة من الحكومة للرحل، وكشف عن المعاناة التي يتعرض لها الرحل في سبيل علاج القطعان وعدم الاحترافية العلمية للتعامل مع الأمراض، وذكر: (بسبب ضعف الخدمات البيطرية يفقد الرحل سنوياً الكثير من الأبقار بسبب الأمراض، أو بيع عدد من الأبقار لتوفير الأدوية والعلاج لبقية القطيع).

وأوضح الناشط في قضايا الرحل، أن قوى الثورة في الوقت الراهن لا تمتلك إحصائيات دقيقة للرحل وعدد المواشي ولا تمتلك حتى خطة استراتيجية لتقديم الخدمات للرحل، وكشف عن محاولات في مدينة الدلنج لتنظيم الرحل في لجان تغيير وخدمات حتى يستطيعوا الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الحكومة كـ(التأمين الصحي، والاستفادة من برنامج سلعتي والدعم الاجتماعي وغيرها من الخدمات).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *