السبت, أبريل 20, 2024
مقالات

زيارة حمدوك إلى الجزيرة: الأهداف والدلالات والرسائل

تحليل: حسين سعد
وجدت الزيارة التي يعتزم رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك القيام بها الي ولاية الجزيرة يوم غد الجمعة ،وجدت هذه الزيارة قبول واسع على المستويين الرسمي والشعبي،ويفسر ذلك الترحيب الكبير العديد من الدلالات المهمة للزيارة التاريخية لشيخ المشاريع الزراعية بالسودان وكما يطلق عليه (جمل الشيل) ونتابع ومن خلال هذا التحليل أهمية الزيارة علي المستويين الشعبي والرسمي ،وأهدافها، ودلالاتها ونتائجها المتوقعة والرسائل المتعددة التي تدفع بها في كل الاتجاهات،ونستعرض في التحليل دراسة تاريخية تجاوب علي سؤال لماذا فشلنا في حل الازمة الاقتصادية السياسية منذ الاستقلال وحتي اليوم،ونربط ذلك كله بالحملة القومية لانجاح العروة الصيفيةوالمبادرة الشعبية (القومه للسودان)،فضلا عن توحيد وحشد صفوف المزارعيين لمعارك الانتاج القادمة ،ولكن قبل ذلك كله نبداء بأهمية الزيارة:
ترحيب شعبي:
لقد اكتسبت هذه الزيارة أهمية كبيرة، وقوبلت بردود افعال إيجابية واسعة لدى المواطنين والمزارعيين الذين تحدثت اليهم (مدنية نيوز)بتفاتيش واقسام المشروع المختلفة،وفيما رحب المزارعيين بالزيارة التي وصفوها بأنها تعكس إهتمام الجهاز التنفيذي بقضايا المزراعين التي اشتكوي منها مرارا ،ومثلوا لتلك القضايا بالعطش في العروة الشتوية الحالية وخروج مساحات كبيرة من دائرة الانتاج فضلا عن أزمة الخيش الذي أرتفعت قيمة الجوال الواحد الي (350) جنيه كما يعاني المزارعيين في عمليات الحصاد من شح كبير في الجازوليين ونقص الموازين.
تخطيط رسمي:
اما علي المستوي الرسمي فقد تم احكام التخطيط الجيد للزيارة حيث ترأس الأمين العام لمجلس الوزراء الأستاذ عثمان حسين عثمان اجتماعاً تحضيرياً للترتيب للزيارة الثلاثاء الماضي لتفقد إنتاج القمح والاطمئنان على الحصاد،وقد شارك في الاجتماع كل من وكيل وزارة الزراعة ووكيل أول وزارة الثقافة والإعلام والمدير العام للبنك الزراعي ومدير مكتب مشروع الجزيرة بالخرطوم بالإضافة إلى قادة الأجهزة الإعلامية الحكومية،واستمع الاجتماع إلى إفادات من وكيل وزارة الزراعة حول المساحة المزروعة وموقف الحصاد ومتوسط الإنتاجية ومؤشراتها مقارنة بالموسم السابق. كما وقف على الجهود المبذولة لتوفير الخيش والجوالات والوقود واطلع الاجتماع على المقترحات التي قدمت لتذليل العقبات التي تجابه الحصاد.
نقطة تحول:
وكما أعتبر القيادي بقوي الحرية والتغيير وحزب الامة القومي الدكتور ابراهيم الامين في رسالة مفتوحة للسيد رئيس الوزراء تلقت (مدنية نيوز) نسخة منها أعتبر الزيارة بأنها نقطة تحول أساسية في المسار السياسي و الإقتصادي للبلاد، لارتباطها بالأمن الغذائي، وقال ابراهيم في رسالته ان قضايا الاقتصاد في بلادنا تعتبر المدخل الطبيعي لإيجاد حلول لها هو الإهتمام بالزراعة (السودان الاخضر) ولخص الامين أهمية الزيارة في توقيتها لحزمة من الاسباب منها: أن الجزيرة مواجهة بتحديات أكبرها تتثمل في الدمار المتعمد و الممنهج لمشروع الجزيرة ، محاولات البعض خلق بؤر للتوتر العنف بين مواطنيها علماً بأن في الجزيرة مجتمع متسامح والجزيرة المشروع ساهمت بقدر كبير في الموازنة العامة،وعلى مستوى البلاد تريد قوى القهر،والظلام والفساد رفضاً للتغيير والتحكم في موارد البلاد و فرض المزيد من المعاناة لمواطنيها،وعلى مستوى العالم تشير الدراسات العلمية بأن مستوى الغذاء على الصعيد العالمي غير مريح ،وان إنتاجيته في حالة تناقص مستمر.
وإقترح ابراهيم الي ما أطلق عليه نقطة إرتكاز أساسية لإصلاح مشروع الجزيرة تبدأ بالآتي..
المزيد من الاستثمارات والتدفقات التنموية لتأهيل وتحسين منظومة شبكة الري، إضافة إلى تعزيز البنيات التحتية خاصة الطرق الداخلية،وحدات التخزين،وتعزيز القدرات المهنية لدى المزارعين من خلال رفع القدرات والتدريب ،والاهتمام بالتصنيع الزراعي،وتعزيز مفهوم التعاون داخل المشروع ،وتعزيز البناء الفني والخدمي للمشروع من خلال تأسيس وحدة وقاية النباتات وإكثار البذور والاستشارات الفنية والرقابية في مجالات الهندسة الزراعية و الري
، و زيادة الإنتاج من خلال التنسيق بين كافة المؤسسات البحثية والاكاديمية ،ومحاسبة كل القيادات التي لعبت دوراً أساسياً في تشليع البنيات الأساسية و الآليات،والاهتمام بالقطاع الزراعي المروي،والتوسع في إنشاء محطات أبحاث متخصصة في مناطق زراعته بهدف زيادة الإنتاج و الإنتاجية.
توجهات جديدة:
وتعكس هذه الزيارة التوجهات الجديدة لحكومة حمدوك التي تواجه تحديات كبيرة وتركة مثقلة بالخراب والدمار لنظام متسلط طوال(30) عاما ،كما تشير الزيارة الي وضع منهجية جديدة للتعامل مع الازمة السودانية وهي في المقام الاول أزمة إقتصادية سياسية بامتياز،فشلت كل الانظمة السابقة في حلها، وقد فاقمها أكثر النظام المدحور وفي (كتابها تاريخ السودان المعاصر) الصادر حديثا عن دار مدارك للطباعة والنشر لصاحبها الاستاذ الياس فتح الرحمن تقول مديرة جامعة الخرطوم الدكتوة فدوي عبد الرحمن علي طه لم يكن للاحزاب التي حكمت السودان خلال الفترة 1956-1969م اي برامج مفصلة ومحددة لمعالجة النمو الاقتصادي في السودان ،وكل قضية طرحت في مرحلة مابعد الاستقلال كانت تعالج وفقا لاهواء الحزب،ويرجع ذلك الي ان أحزاب السودان الكبري نشأت منذ البداية كواجهات حديثة للطائفية ،وان حزبا بهذا التكوين ليس بحاجة الي افكار وبرامج او مجادلات بشأن الافكار والبرامج لان هناك من يفكر نيابة عن الحزب كله.وأوضحت فدوي ان الحزب الوحيد الذي دعا عقب الاستقلال الي ان يتبع الاستقلال السياسي بأستقلال اقتصادي هو الحزب الشيوعي في مؤتمر الثالث والمنعقد في فبراير 1956م فقط طرح الحزب مهام الثورة بعد اعلان الاستقلال السياسي مشيرا الي ان المهام تستهدف دعم الاستقلال السياسي بالتحرر الاقتصادي ،وذلك بالثورة الاقتصادية المبنية علي التحرر من سيطرة النفوذ الاجنبي ودفع البلاد في طريق التطور الصناعي والزراعي .
الشتاء والصيف:
اما النقطة الثانية في أهمية الزيارة هو توقيتها المتزامن مع عمليات حصاد القمح والتبشير بالحملة القومية لانجاح العروة الصيفية التي أصدر حمدوك أمس قراراً بتشكيل لجنة قومية عليا لإنجاح الموسم الزراعي الصيفي برئاسة سيادته وعضوية آخرين و تختص اللجنة بحسب بالرصد العاجل لإحتياجات الموسم الزراعي الصيفي المتعلقة بتأهيل البنى التحتية وتوفير مدخلات الإنتاج وغيرها لكافة القطاعات الزراعية، ووضع خطة لسد النقص في مدخلات الإنتاج والآليات قبل وقت كافٍ من إنطلاق الموسم الزراعي الصيفي وتحديد كيفية توفير الموارد اللازمة لوضع الخطة، فضلاً عن متابعة التحضير وسير العمليات الزراعية في جميع مراحلها حتى نهاية الموسم، والعمل على مراجعة السياسات والتشريعات المتعلقة بالإنتاج الزراعي والتسويق والتصدير،وبالرغم من المشاكل العديدة التي واجهت عمليات حصاد القمح الخاصة بنقص الخيش وشح الجازولين بالجزيرة الا ان الانتاجية كانت كبيرة وتراوحت مابين (20-30) جوال للفدان من محصول القمح الذي تبلغ مساحته حوالي (423) ألف فدان منها (273) ألف فدان بأقسام المناقل و(150) ألف فدان بأقسام الجزيرة.
أخيرا :وفيما يتعلق بدلالات الزيارة نقول الاتي:
أولاً: حملت قيادات تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل طوال الفترة الماضية أوراقها الخاصة بأصلاح الحال في المشروع الذي شكلت له لجنة للتحقيق في نهب اصوله وممتلكاته ومحالج حيث رفعت اللجنة تقريرها الي النائب العام ،كما شكلت لجنة اخري خاصة بالجمعية التعاونية للمزارعيين المعروفة (قوز كبرو) كذلك من بين دلالات الزيارة هي الوقوف ميدانيا علي مشاكل المزارعين الخاصة بالعروة الشتوية التي شكلت لها اللجنة العليا لانقاذ العروة الشتوية التي رفعت من قبل تقاريرها للجهات المعنية عقب زيارة ميدانية للجزيرة والمناقل ،وربما تسفر الزيارة بطي ما بدر من تباين بين المزارعيين في الفترة الماضية،وإعلان منصب محافظ المشروع الذي سمي له تحالف المزارعيين الدكتور صديق عبد الهادي ،ولعبد الهادي إسهامات عديدة فكرية وسياسية واقتصادية وتنموية لانسان الجزيرة طوال الفترة الماضية وحتي اليوم ،كما دفع التحالف لمجلس الادارة بالدكتور يوسف دين الذي تسبقه خبرته الواسعه بعدد من المشاريع الزراعية فضلا عن مساهمته في أطروحات تحالف المزارعين الذي يستمد نضالاته وجسارته ونتوقع ان يشكر لقاء حمدوك بالمزارعين جسارة ونضالات شيخ الامين رئيس حركة المزارعيين وقائدها الملهم الذي دفعوا به وزيرا للصحة في الحكومة الإنتقالية بعد ثورة إكتوبر فضلا عن شجاعة سكرتير اتحاد المزارعيين يوسف احمد المصطفي (اللهب الضوء الليل قناديل) وتقديم الشكر والتقدير لازرق طيبة الذي ظل طوال الفترة الماضية والحالية يحتضن اجتماعات، ومؤتمرات المزارعيين عبر قياداتها الحالية التاريخية ممثلة في حسبو ابراهيم ومحمد الجاك ابشمه وسكرتاريتها التنفيذية لشبابها المخلصيين عبد الرووف وبرقاوي وفاروق ومالك بمساعدة تحالف الابناء ولجان المقاومة في قري ومدن الجزيرة.
ثانياً: إن مجرد الزيارة الى الجزيرة في الوقت الحالي تعتبر خطوة ذكية خاصة بعد تأجيل المؤتمر الاقتصادي الي يونيو القادم ،وتأجيل مؤتمر أصدقاء السودان بسبب جائحة كورورنا وفي كتابه(زراعة الجوع في السودان) قال الاستاذ تيسير محمد احمد ان الزراعة بشقيها الحديث والتقليدي تشكل قطاعا أساسيا في الاقتصاد السوداني اذ يستوعب القطاع الزراعي (86%) من عدد السكان المنتجيين اقتصاديا كما ان حوالي (62%) من الدخل القومي يتوالد بالقطاع الزراعي ومن بين كل (100) سوداني يتواجد (66) منهم يعتمدون علي الزراعة في معاشهم وكل (15) سوداني يعتمدون علي الثورة الحيوانية اي ان (81) يعتمدون علي ما ينتج من الارض والماء.
ثالثاً: معلوم ان العالم شهد في مارس 2020 حالة استثنائية وتغيرات دراماتيكية متتالية ومتسارعة لم يشهد الاقتصاد العالمي مثيلًا لها على مدار عقود، حتى إبان الأزمة المالية العالمية في عام 2008. فالحالة التشاؤمية الشديدة التي سببها الانتشار السريع والمباغت لفيروس كورونا في الأسابيع الأخيرة من ذلك الشهر، أدت إلى تحولات نادرة، واستجابات طارئة من قبل الحكومات، ومن ثم أداء قياسي للمؤشرات الاقتصادية، وعلى رأسها أسعار النفط، وقيم جميع الأصول وبخاصة الأصول المالية، المتميزة دائمًا بالمرونة وسرعة التفاعل مع الأحداث.وبالرغم من أن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) اكتشف في ديسمبر 2019، في ووهان الصينية، فهو لم يكن له الوقع نفسه على أداء الاقتصاد العالمي في شهري يناير وفبراير الماضيين، ففي خلال هذين الشهرين ظل محدودًا في عدد من الدول، كما أن نطاقات تواجده في تلك الدول كانت صغيرة. لكن خلال شهر مارس شهد الفيروس حالة يمكن تسميتها بالانفجار، وبخاصة خلال الأسابيع الأخيرة.
الخاتمة:
أقل ماتوصف به زيارة حمدوك الي الجزيرة بالتاريخية، فضلا عن انها لها معاني كثيرة ودلالات عظيمة تعكس تحول عميق في التوجهات،وربما الاعلان عن منهجية جديدة للتعامل مع الاوضاع الاقتصادية بالبلاد ،أوكما قال ابراهيم الامين (نقطة تحول في مسار المسألة السياسية الاقتصادية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *