الخميس, أبريل 18, 2024
مقالات

الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور (13)

بقلم: حسين سعد

طالبت مصفوفة مهام الفترة الانتقالية العاجلة بتشكيل لجنة طوارئ اقتصادية مشتركة لمجابهة الأزمة المالية الحالية مع تحديد مهامها وصلاحياتها بصورة تنظم علاقاتها مع عمل الجهاز التنفيذي، وأن ينتهي أجلها بعقد المؤتمر الاقتصادي، ودعت المصفوفة لإنشاء صندوق قومي تحت إدارة وولاية وزارة المالية تودع فيه الأموال المستردة عبر لجنة التفكيك ويتم تنظيم حملة قومية للاكتتاب ويستنفر الدعم من داخل وخارج السودان وعقد المؤتمر الاقتصادي في الأسبوع الأول من يونيو 2020م.

صدمات عنيفة:

تختلف الصعوبات والمهام العاجلة السداد في السودان عن البلدان الأخرى التي ثارت على جلاديها، فالصعوبات التي تواجه الحكومة الانتقالية متراكمة ومتوارثة منذ استقلال البلاد، فهذه الأزمات المتراكمة لم تكن وليدة الفراغ، بل كانت نتيجة لتعاقب الأزمات التي لم يتم علاجها في وقتها بل يتم ترحيلها في الغالب للمستقبل، وإذا بها تلتقي مع أزمات أخرى فأصبحت أزمات مركبة تحتاج لجهود استثنائية للعلاج، فالمصائب على بلادنا لم تأت فرادى فجائحة (كورونا) فاقمت من دائرة الأزمات وتسببت في تعطيل العديد من المهام التي كان ينتظر أن تساهم في علاج الأزمات الخانقة، ومن بين تلك التحركات تأجيل المؤتمر الاقتصادي وعلى الرغم من كل تلك التحديات إلا أن الحكومة الانتقالية تبذل مجهودات بهدف تخفيف عبء الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تفشي (فيروس كورونا).

حقل ألغام:

الظروف التي يمر بها السودان في المرحلة الراهنة بتحدياتها المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً هي أوضاع أقل ما توصف بالخطرة، وتبدو الحكومة الانتقالية وكأنها تتحرك وسط كل هذه الألغام القابلة للانفجار، وفي ذات الوقت تطالب الحكومة بسداد فواتير واجبة السداد لتركة النظام المدحور، وإعلام النظام البائد يستغل أي قصور لإفشال الحكومة ويلاحظ في وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأخبار الكاذبة والمضللة، كما أن الحاضنة السياسية للحكومة ممثلة في قوى الحرية والتغيير لم تقم بواجبها السياسي، وظلت بعض مكوناتها تلجأ للإعلام الذي يهلل بتلك التصريحات التي تتطلب معالجتها أوقات ثمينة، فالمشهد السياسي اليوم أكثر تعقيداً وغداً أيضا ستكون التحديات ماثلة وهو الأمر الذي ربما يكون دافعاً لقوى الحرية والتغيير للوعي بأهمية تحمل المسؤولية وتجاوز الاختلافات والتجاذبات والحسابات، وتحقيق الإنجازات والمشاريع الكفيلة بإنجاح الانتقال التنموي والاقتصادي، إن مسؤولية الأحزاب ولجان المقاومة كبيرة وتاريخية في اللحظة الراهنة، وإن انتظار شعبنا قد لا يطول.

وكما استعرضنا في مقدمة المقال مصفوفة مهام الفترة الانتقالية لضبط إيقاع الشراكة الثلاثية، سوف نتابع أبتداءً من هذه الحلقة الصعوبات الاقتصادية ومقترحات الحلول لها، وماذا قالت البدائل الوطنية الكافية لسد الفجوة في موازنة وزارة المالية 2020م التي أعدتها اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير، حيث شددت البدائل على ضرورة الاستفادة من الدروس السابقة التي مر بها الاقتصاد السوداني في علاقاته بالإقتصاد الدولي والتجارة الدولية، ووصفت الدراسة التي نشرت (مدنية نيوز) جزءاً منها، وصفت إجراءات إزالة التمكين في شقه الاقتصادي بأنه يمثل أحد أهم مفاتيح حل الأزمة الإقتصادية، وحددت حزمة من الإجراءات تتطلبها إزالة التمكين في شقه الاقتصادي تتمثل في تبديل العملة السودانية.

نظرة تشاؤمية:

في ظل كل هذه التحديات أخذت النبرة التشاؤمية تطغى على الخطابات الحكومية وخطواتها التي مضتها فيما يتعلق بالاهتمام بالزراعة ومحاربة الفساد والصناعة والتصدير، ولجأ البعض في الحديث عن الاقتصاد ومستقبله بطريقة ميؤوس منها ويتم تقديم تقييم الوضع الاقتصادي بأنه غير إيجابي وينظر إلى النصف الفارغ من الكوب، وهو ما يعيق فرص التعافي المحتملة في حال استمرار هذه الطريقة.

إن حل مشكلة الاقتصاد وكما وصفتها دراسة البدئل الوطنية يتطلب قدرة سيادية على اتخاذ إجراءات استثنائية لتأمين وضعية مناسبة للقطاع الاقتصادي.

الانقسام الطبقي:

ويقول المفكر الراحل محمد علي جادين في كتابه (تقييم التجربة الديمقراطية الثالثة في السودان): نسبة لتكريس سياسات الانفتاح الاقتصادي وتجميد المشروعات الجديدة منذ العام 1978م ازداد الانقسام الطبقي اتساعاً بين أقلية تزداد ثراءً وأغلبية تزداد فقراً كل يوم، كما ازداد التفاوت في مستوى النمو الاقتصادي بين الأقاليم وبين المناطق الحضرية والريفية.

ومضى جادين إلى قوله: صحيح أن النظام المايوي لم يخلق ظاهرة الانقسام الطبقي والتفاوتات الإقليمية، لكنه هو الذي فجرها بهذا العمق والاتساع ففي مقابل نمو الفئات الرأسمالية واتساع حجمها ووزنها الاقتصادي، اتسعت الطبقة الشعبية الكادحة خاصة في القطاع الزراعي وسط المزارعين والعمال الزراعيين وفي أوساط الموظفين والمهنيين والعمال، وذلك نتيجة لظروف انكماش القطاعات الإنتاجية وإهدار العمل لحساب النشاطات الطفيلية وبسبب ظروف تصاعد معدلات التضخم وثبات الأجور والمرتبات في القطاع العام. ثم قامت الحكومة في العام 1978م عقب انفجار الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد بتجميد الخطة الستية 77-1983م وانتهاج سياسة تقشفية في السنوات اللاحقة تحت إشراف صندوق النقد الدولي وكان لهذه الإجراءات تأثيرات كبيرة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الإقليم الجنوبي بسبب حرمانه الطويل من الخدمات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية والآثار المدمرة للحرب الأهلية وتجاهل مؤسسات الحكم الإقليمي لاحتجاجات السكان الأساسية خلال السنوات السابقة، وهكذا تفاعلت هذه العوامل مجتمعة لتعكس نفسها في انقسامات وصراعات سياسية وقبلية وشخصية وسط مجموعات السياسيين الجنوبيين من أجل السيطرة على مؤسسات الحكم الإقليمي، وبدأ صندوق النقد الدولي يمارس ضغوطاً متزايدة على الحكومة الانتقالية بهدف استعادة مواقعه التي زحزحته منها انتفاضة مارس أبريل 1985م، ففي يونيو من العام وصلت أول بعثة للصندوق بعد الانتفاضة، وحملت معها توصيات بتعويم الجنيه السوداني وربطه بسلة عملات أجنبية وتعديل قانون بنك السودان وهددت بطرد السودان من عضوية الصندوق إذا لم تضمن شروطها في ميزانية 1985-1986م وإذا لم يسدد مبلغ 170 مليون من جملة الديون المستحقة للصندوق والبالغة 550 مليون دولار.

سوف ننتصر:

ختاما نرى أن الاقتصاد بحاجة لعملية جراحية كبرى حتى يستطيع السودان تنويع اقتصاده إنتاجياً ومالياً ليتمكن من القضاء أو الحد من الصدمات التي يتعرض لها، صحيح أن الآفاق تبدو غامضة لكي لا نقول مسدودة أمام الحلول التي تأتي بمخاض عسير وربما يكون قيصرياً، وكما قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري محمد أحمد شقيلة، في قراءة تحليلة لاجتماع أصدقاء السودان في الأسبوع الأول من مايو 2020م إنه من الواضح أن هذا الاجتماع أقرب لأن يكون اجتماع للمانحين الدوليين من كونهم أصدقاء السودان كما تمت تسميته، فأعضاء الاجتماع يمثلون في نفس الوقت الأغلبية من المانحين، وهذا يعني أن مؤتمر المانحين عند انعقاده سيقدم دعماً مالياً سخياً للسودان، وهذا ما أكد على ضرورته أعضاء اجتماع أصدقاء السودان، والذين سيمثلون الأغلبية في مؤتمر المانحين عند انعقاده، وتوقع شقيلة أن يتجاوز السودان أزمته الاقتصادية قريباً، وأن الاقتصاد لن يكون من ضمن مخاطر الفترة الانتقالية.. هذه هي الخلاصة التي يقولها اجتماع الأصدقاء الدوليين. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *