الخميس, أبريل 18, 2024
مقالات

الحكومة الانتقالية.. أزمات خانقة وإرادة للعبور(32)

بقلم: حسين سعد
كسب الشعب السودانى احترام شعوب دول التحرر الوطنى فى القارة الافريقية ومن بقية شعوب المستعمرات الاخرى فى العديد من مناطق العالم بسبب مساندته وانحيازه لنضالات وكفاح هذه الشعوب من اجل الحرية واسترداد سيادتها الوطنية ، فلا تزال الكثير من الاحياء السكنية فى المدن السودانية تحمل اسماء ، مثل الكنغو تخليدا لذكرى المناضل باتريس لوممبا ، واسم كوريا ،ومانديلا وفرق رياضية مثل جيفارا وغيرها من الاسماء التى ارتبطت بنضالات هذه الشعوب،كما حاز الشعب السودانى بحسب التقرير السياسي المجاز من المؤتمر السادس للحزب الشيوعي على اعجاب الملايين من شعوب دول التحرر الوطنى المناهضيين لانظمة القمع والديكتاتوريات الحديثة بسبب تفجيره لثورة اكتوبر المجيدة فى مطلع ستينيات القرن الماضى بدماء الشهداء وبتضحيات ابنائه وبناته . كما ساهم السودان بادوار مؤثرة فى قيام منظمة الوحدة الافريقية وفى بناء مؤسساتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية كما ساهم بجهود مقدرة فى دعم برامج الجامعة الدول العربية ودول عدم الانحياز .
هدف للاطماع:
يقول التقرير السياسي المجاز من المؤتمر السادس للحزب الشيوعي ظل السودان يمثل كغيره من الدول الافريقية وبقية دول المستعمرات فى القارات الاخرى هدفاً لأطماع القوى الخارجية منذ وقت طويل،ويشكل الموقع الجغرافي عاملاً رئيسياً في هذا الصدد ،حيث يلعب السودان دوراً هاماً كحلقة اتصال بين شمال القارة وجنوبها، وكذلك بربط دول غرب القارة بشرقها عن طريق الطرق التجارية البرية الممتدة من السنغال إلى سواكن وبورتسودان، خاصة قوافل الحجاج الذين يستخدمون هذا الطريق كل عام منذ قرون سحيقة. ويساعد الممر النيلي الممتد من مناطق البحيرات إلى البحرالابيض المتوسط في أقصي الشمال في حركة التجارة والسكان،كما تشكل الثروات الطبيعية والأراضي الزراعية الواسعة والخصبة حافزاً أكبر للتدخل الخارجي المباشر وغير المباشر، كما يشكل السودان موقعاً عسكرياً ممتازاً في قلب القارة الأفريقية وقد ظهر ذلك بوضوح أثناء الحرب العالمية الثانية حيث اعتمد عليه الإنجليز في حسم معاركهم مع الإيطاليين في أثيوبيا وفى الحدود الغربية مع الفرنسيين والبلجيكيين.
بداية العزلة :
ظل السودان يتمتع باحترام دول الجوار والكثير من الاصدقاء من مختلف انحاء العالم بعد حصوله على الاستقلال ،الا ان بوادر العزلة بدأت تلوح فى الافق عندما فشلت حكومات مابعد الاستقلال فى ارساء المشروع الوطنى المتكامل لمستقبل البلاد ابتداءا من حسم قضية الهوية وتحديد المصالح المشتركة مع دول القارة الافريقية وكذلك المصالح المشتركة مع دول المحيط العربى . لقد بات واضحا انحياز غالبية الحكومات الوطنية الى الثقافة العربية الاسلامية دون الافريقية وكان طرد نواب الحزب الشيوعى من برلمان اكتوبر بدعاوى تستند الى نصوص الشريعة الاسلامية انعطافا حقيقيا فى ذلك الاتجاه وتمثل فترة حكم الديكتاتور جعفرنميرى انحيازا آخر في نفس الوجهة بلغ أوجه بتطبيقات قوانين سبتمبر الجائرة، الامر الذى ادى الى صدور ادانات واسعة من الكثير من دول العالم ومن المنظمات الحقوقية بسبب وقوع المجازر والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وللقانون .
النظام البائد والعزلة:
تفاقمت عزلة السودان الدولية عندما استولت الجبهة الاسلامية على السلطة عن طريق الانقلاب العسكرى فى يونيو 1989 ،وما تبعه من صدور القرارات التى قضت بحل الاحزاب السياسية ومصادرة الحريات العامة وانتهاكاته الفظة لحقوق الانسان فى الجنوب وضد معارضيه فى الشمال ،وانشاء المحاكم الاستثنائية وفرض حالة الطؤارى. وكذلك بدعوته لقادة الجماعات الاصولية من نحو (45) دولة عربية واسلامية تم تصنيفهم بانهم ارهابيون معادون لحكومات بلدانهم وضد مصالح شعوبهم ، وقد تم ذلك تحت مظلة المؤتمر الشعبى العربى الاسلامى ،بالاضافة الى ايوائه لاسامة بن لادن فى عام 1991وكارلوس. وبضلوعه فى محاولة اغتيال الرئيس المصرى السابق محمد حسنى مبارك فى عام 1995 ،الى جانب الاتهامات بضلوعه فى تفجيرات سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا فى العام 1998 وكذلك لضلوعه فى سياسة المحاور التى تضم المنظمات المصنفة بالارهابية ك(حزب الله) ومع الدول المنبوذة مثل ايران وسوريا .وقد أعطي النظام المدحور المبررات الكافية للمجتمع الدولي في التدخل المباشر في شئون البلاد عندما أصر على اللجوء للخيار العسكري لمعالجة الأوضاع في المناطق المهمشة بصورة عامة،وفي دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق بصفة خاصة ،كما زادت وتائر التدخل بسبب تفجر الكارثة الإنسانية في دارفور،والتي أسفرت عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، حيث أصدر مجلس الأمن العديد من القرارات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتم بموجب بعضها إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي ونشر القوات المشتركة في دارفور بغرض حماية المدنيين والمساعدة في عودتهم إلى قراهم الأصلية.
الهدف الاعلى للدبلوماسية:
ويقول الحارث ادريس الحارث في مقال له بعنوان (اعادة هيكلة وزارة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي خلال المرحلة الانتقالية )الهدف الغائى للدبلوماسية ؛ هو احتواء النشاط العدائى الذى يستهدف الدولة بتحييده وتلطيف حدته وتطويقه ؛ وهى أشبه بآلية ومفاهيم للتوفيق بين المصالح المتعارضة للدول ووجهاتها المتباينة بإرساء العلاقات الدولية السلمية وحسن الجوار وحل النزاعات بالطرق السلمية عبر التفاهمات والتنازلات والمساعى الودية وإبرام التعاقدات و المعاهدات بهدف حل الخلافات القائمة وزيادة وبلورة نسق التواصل مع المحيطين الاقليمى و الخارجى ؛ ونزع فتائل التوتر وإبطال بواعث الحروب ؛ برسم السياسات الناجعة لتطويقها عند إندلاعها ؛ اوالتوصل إلى تسويات عادلة بعد توقفها ؛ وفى مختصر القول هى استيعاب التضاد القائم وعدم التماثل السائد فى مجال العلاقات الخارجية بذكاء وحذق مثلما يستوعب الحلزون مأزق انغلاقه فى زجاجة بالإنطواء اللطيف والخروج من عنقها الضيق بتؤدة وتصميم دون خسارة اى عضو من أعضائه.
دعم الديمقراطية
الواقع الثورى السودانى يتطلب تحديث مفهومنا للدبلوماسية كما ذكرنا اعلاه من حيث خضوعه لمتغيرات كبيرة بفعل التطورات التى انتظمت السياسة الدولية منذ مجىء نظام الانقاذ فى عام 1989م،ونقترح شحذها بخصائص الشخصية السودانوية المتمثلة فى العادات والتراث والتقاليد ومنظومة القيم العليا الاجتماعية والرموز والاعمال الفنية والطقوس الاحتفائية وخصوصية الكنداكات التى هى الاكثر تعبيرا عن الدلالة السيادية القديمة المتمثلة بالجسارة والقيادة الحكيمة العادلة ومجابهة العدوان من أى جهة اتى، كما إقترح الحارث ايضا وضع خطة لدعم الديمقراطية الرابعة ،وإنشاء منبر دولى للترويج للديمقراطية ووضع رؤيا لخلق علاقات مميزة مع الديمقراطيات الصاعدة فى العالم (البرازيل – الهند-اندونسيا-جنوب افريقيا-تركيا) وإعداد برنامج تواصل بين الشباب فى هذه الاقطار لتبادل الخبرات والتثاقف الديمقراطي،ووزارة الخارجية هى الجهاز الوحيد الذى تم تكوينه بعد نيل الاستقلال فى عام 1956. ورغم حداثتها آنذاك إلا انها تمكنت من الاستجابة للتحديات الاقليمية والدولية وأسهمت بجد فى تقديم السودان الى المجتمع الدولى واكسبت السودان حديث الاستقلال صيتا مرموقا ومصداقية متفردة نظرا لكفاءة الرعيل الاول من السفراء والدبلوماسيين. ولقد امكن للسودان الالتزام بسياسة الحياد الايجابى وتجنب التورط فى الصراع الايدولوجى الدولى الذى هيمن خلال فترة الحرب الباردة، وعالجت وزارة الخارجية عددا من النزاعات والحروب الاقليمية وشاركت فى عدد من المنظمات ؛من بينها أزمة حلايب الاولى فى عام 1958 والازمة الكوبية فى عام 1963 ، وحرب يونيو 1968 ، وربيع براغ فى عام 1968 وحرب اليمن وازمة احداث الكونغو ومقتل الرئيس بياتريس لوممبا
هيكلة وزارة الخارجية:
وخلال الفترة الانتقالية شدد الحارث علي ضرورة إعادة هيكلة وزارة الخارجية ومراجعة الهيكل التنظيمى والادارى الحالى لاستيعاب المستجدات الدبلوماسية ومواكبة للتطورات ،و إجراء رصد لأثر سياسة التمكين على الدبلوماسية السودانية وحصر نتائجها والمنتفعين منها فى السلك الدبلوماسى،و تحرير السياسة الخارجية من الارتهان الايدولوجى والمحورة العقائدية ومحاور التمكين الاقليمية والدولية،و إلغاء الدبلوماسية الرسالية وتنقية الدبلوماسية السودانية الحديثة من آثارها السالبة وتجديد خطابها الاعتذراى المقعد بعزلة الرئيس عن المجتمع الدولى جراء اتهامات المحكمة الجنائية الدولية،والنأى بالسودان من سياسة المحورة الاقليمية الخطرة وتفادى خوض الحروب الاقليمية وحروب الوكالة التى يشعلها الاخر،وإيلاء أسبقية لمطلوبات الحرية والسلام والعدالة فى السياسة الخارجية بإعتبارها مطلوبات قومية وضعتها الثورة،وتحرير الدبلوماسية من الخطاب التبشيرى والوسائل الارهابية التى اعتمدت منهجا فى ترسية مصالح النظام السابق. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *