الجمعة, أبريل 19, 2024
تحقيقاتمجتمع

إغتصاب الأطفال.. ردع المعتدين وحماية فلذات الأكباد

القانوني عثمان العاقب: قانون الطفل لسنة 2010م قوي والإشكالية في التنفيذ

اختصاصي نفسي: قد يتورط الطفل المعتدى عليه في تجارة جنسية إن لم يجد مساعدة

مديرة مركز سيما: مؤشرات مزعجة للاغتصاب وارتباط الحالات بالعنف والابتزاز

إخصائي اجتماعي: لابد من تعريف الطفل بالخطوط الحمراء بجسده

تحقيق: هانم آدم

شهدت الفترة الماضية قضايا اغتصاب عديدة هزت أركان المجتمع، فاغتصاب الاطفال قضية أرقت مضاجع الكثير من الأسر، ورغم العقوبة المشددة والرادعة، إلا أن القضية ازدادت وتيرتها مؤخراً بصورة ملحوظة  الأمر الذي وضع جملة من الاستفاهمات حول (أين تكمن الإشكالية؟، هل يوجد خلل ما في القوانين؟، أم ضعف الرقابة المنزلية ومتابعة الأطفال؟، وماهي الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على المجني عليه؟).

من خلال هذا التحقيق حاولنا استنطاق الجهات ذات الصلة علنا نخرج بإجابات واضحة لتساؤلاتنا، ونحرك المجتمع للتضافر وتوحيد جهوده للحد من الظاهرة، وحماية شريحة الأطفال من الجنسين.

حادثة سبتمبر

 (أ) طفلة في الثالثة والنصف من عمرها، اختفت من منزل الأسرة بأمدرمان في الثامنة من صباح التاسع من سبتمبر المنصرم، وبعد مرور ساعة بدأت الأم في البحث عن ابنتها في كل مكان بالحي، ولكن دون جدوى، فتم إبلاغ  وحدة حماية الأسرة والطفل، وتواصل البحث عن الطفلة حتى منتصف نهار اليوم التالي، وخلال البحث ثارت الشكوك حول منزل الجيران، وهو جزء من منزل الأسرة ويسكن به (عزابة)، وبالبحث في دورة المياه، لفت الانتباه كبر (فتحة البئر) بما يمكن أن يسمح بسقوط الطفلة فيه فقرروا تبليغ الدفاع المدني (وأثار هذا الأمر اعتراض المشتبه بهم)، وبعد حضور الدفاع المدني وفحصهم للموقع أبلغوا الشرطة ليتفاجأ الجميع حيث تم إخراج جثمان طفلة من داخل البئر، وتحويلها للمشرحة وتم التعرف عليها من قبل أهلها وسط ذهول الجميع. وعقب ذلك قامت الشرطة بالقبض على (6) أشخاص يشتبه بهم وهم (قاطني المنزل الذي وجدت به الجثة)، وفتحت في مواجهتهم بلاغاً ليتبيّن أن سبب الوفاة هو (اغتصاب  تعرضت له الطفلة أدى إلى تهتك في الرحم وكسر في الجمجمة نتيجة لضربها بآلة حادة في الرأس).

حالة أخرى

حادثة أخرى بإحدى مدن السودان، وهي اغتصاب (5) طالبات بمرحلة الأساس لم يتجاوز عمرهن السنة السابعة، منهن شقيقات (تؤام) من قبل بائع متجول وبصورة متكررة، حيث درج على إعطائهن الحلوى تارة، وتهديدهن بالسلاح الأبيض (سكين) تارة أخرى، وذلك إذا امتنعن عن ما يريده أو قمن بإخبار ذويهن بما فعله معهن، حيث يقوم بتوقيفهن (صف) ثم اغتصابهن بالتناوب، وتم اكتشافه من قبل أم إحدى الطالبات، حينما لاحظت جفاف شفتيها وبعد محاولات عديدة أخبرتها بما يحدث لهن، لتهرع بدورها وتخبر المديرة والتي اكتفت فقط بطرد البائع خوفاً على سمعة المدرسة، الأمر الذي جعل الأم تبحث عن العدالة بنفسها لدى الشرطة بتدوين بلاغ ليتم القبض على البائع المتجول ومحاكمته.

انعدام الاحصائيات

إحصائيات معدومة والمتوفر منها قديم تجاوز الست سنوات، وحسب حديث سابق للمحامي عثمان العاقب فإن الحالات المعلن عنها بالمحاكم والخاصة بالتحرش بلغت (2293) غير المسكوت عنها، ونوه إلى أن (70%) من المتحرشين أقارب الضحايا.

وقال المحامي عثمان العاقب وهو (صاحب مبادرة إعدام المغتصب بميدان عام) والذي بدأ حديثه بصوت لا يخلو من حسرة: بدأنا في هذه المطالبة  منذ العام 2013م ومازلنا، واستبعد أن يكون هناك ضعف في القانون، ووصف قانون الطفل بأنه من أقوى القوانين، وأضاف: لكن تكمن الإشكالية في التنفيذ وفي آليات التنفيذ والتي من ضمنها وحدة حماية الأسرة ومجلس الطفولة وحتى مجلس الوزراء.

 وتابع لـ (مدنية نيوز) الأسبوع الماضي أن الجهة الوحيدة حالياً والتي تقوم بفتح بلاغات هي وحدة حماية الأسرة والطفل وفقاً للمادتين (45ب) أو (45ج) من قانون الطفل، ويتم التحويل للمحكمة فإذا تمت الإدانة فالعقوبة الإعدام أو السجن (20) سنة للمغتصب وفقاً للمادة (45 ب)، وعقوبة التحرش (15) سنة، وذكر: حتى هاتين المادتين تفعلان بعد وقوع الجريمة وقبلها لا يوجد من يقوم بالحماية، ولا توجد برامج لإعادة تأهيل المتحرشين أو إزالة الصدمة  من الطفل، فالجهات المعنية بالأمر غير مساعدة والدولة نفسها غير مهتمة بقضايا الطفولة، وحتى دور مجلس الطفولة والمصلحة الفضلى للطفل غائبة تماماً.

تغيرات المجتمع

ولمعرفة الجوانب النفسية أفاد الخبير النفسي ومدير مركز التأهيل لحماية المرأة والطفل د. ياسر موسى، (مدنية نيوز) أنه وبعد ثورة ديسمبر المجيدة و(جائحة كورونا) حدثت تغيرات كبيرة في حياة المجتمع، أولها العطلة المدرسية الطويلة وأثرها النفسي علي الأطفال والذي يتمثل في حالة السيولة الاجتماعية دون رصد أو حماية للأطفال داخل الأسر وخارجها، الأمر الذي يجعلهم عرضة للاعتداءات، بجانب الضائقة المعيشية وانعدم الخبز والغاز واستخدام الأطفال  لتوفير هذه الاحتياجات للأسر، مما يجعلهم عرضة للانتهاكات.

وأضاف أن مثل هذه الأسباب (إهمال الأطفال من قبل الدولة والأسرة) يجعلهم ضحايا للاعتداءات العنيفة، بجانب ضعف النواحي القانونية في مواجهة المعتدي، والشعور الدائم بضعف الأمن بعد الثورة، الأمر الذي يجعل المعتدي مهيأً بصورة أكبر للاعتداءات والتي اتسم معظمها بأشكال من العنف وصلت حد الموت، وتابع أن تأخر الإجراءات القانونية في مواجهة المعتدي، وأحيانا ضعف الأدلة التي يمكن أن تدين المعتدي عبر إزالتها من قبل الأسر نسبة لجهلهم بهذا الأمر، تجعل المعتدي حراً طليقاً.

أما الأثر النفسي علي الضحية وفقاً للخبير النفسي ومدير مركز التأهيل لحماية المرأة والطفل، فيتمثل في الحط من كرامة الضحية والإمعان في إذلاله لمنفعة المعتدي، ونوه إلى أن الطفل نتيجة لهذا الأثر النفسي إن لم يجد مساعدة يصاب بصدمة نفسية قد تستمر معه إلى مراحل متقدمة من عمره، بل قد تتسبب في إحداث اختراق في شخصيته ويصبح أكثر قلقاً أو مفرطاً في الحركة ومشتت الانتباه، مما يسبب له مشكلات دراسية ومعاناة وخوف مرضي وبالتالي الأنسحاب من الحياة والانطوائية، وهذا يؤدي لحالة اكتئاب حاد.

وأشار ياسر، إلى وفاة كثير من الأطفال نتيجة للاكتئاب غير المكتشف، أو قد يتورط الطفل في تجارة جنسية لا تناسب عمره، ويكون لها أثار صحية وسلوكية خطيرة.

انتهاك خصوصية

وأوضح الخبير النفسي ومدير مركز التأهيل لحماية المرأة والطفل أن حالة الاعتداء الجنسي تعني منذ بدأيتها أن هناك انتهاك لحرية وخصوصية الطفل والتعامل مع أحق حقوقه وهي أجهزته الجنسية، وأن ذلك يحدث حالة من الصدمة وقد تؤدي بالطفل لحالة من الإباحية وعدم الضبط في التعامل مع المسألة الجنسية، وهي حالة تلازم الكثيرين من الضحايا فيصابوا بتفكك في الشخصية ويقعوا فريسة البذاءة في الحديث والانحطاط السلوكي بما يحولهم إلى معتدين وأكثر تنمراً على الأطفال الأضعف، بجانب انعدام الثقة  مع الأكبر سناً ثم فقدان التوازن النفسي والإيجابي مع الحياة.

تثقيف الطفل

وللإحاطة بالجوانب الاجتماعية نبهت الاختصاصية الاجتماعية ثريا إبراهيم، لضرورة تثقيف الطفل جنسياً من قبل الأسرة ابتداءً من عدم تبديل ملابسه أمام أي شخص، وأن جسمه قيّم ولابد من المحافظة عليه، بجانب تعريف الطفل بالخطوط الحمراء في جسمه حتى إذا لامسه أي شخص يعتبر ذلك مؤشراً خطيراً، بالإضافة إلى منح الطفل حرية التعبير، ولفتت إلى أن المعتدي لا يمكن أن يغتصب مباشرة، بل يحصل تمهيد واستدراج ثم اغتصاب، كما أن المعتدي يدرس أولا ويكتشف كل من حول ضحيته وماذا يحب الطفل، لذلك فإن حرية التعبير للطفل تجعله أكثر صراحة مع أسرته، ونوهت إلى أن كثيراً من الأطفال يشتكون من عدم سماع ذويهم لأحاديثهم، وأن المعتدي قد يكون في بعض الأحيان من الأقارب، وقالت: لا ننسي زنا المحارم فالخطوط الحمراء تحميه من الأستاذ أو غيره من المقربين أو البعيدين.

وتشدد الاختصاصية الاجتماعية ثريا إبراهيم، على أهمية توعية المجتمع بالقوانين على الرغم من وجود بعض المواد غير المفعلة، وأنه ليس كل المعتدى عليهم وجدوا الحماية اللازمة نسبة لعدم المعرفة بالقوانين باعتبارها آلية للحماية، وأشارت لتخوف الكثير من الأسر من الإبلاغ عن الانتهاكات خوفاً من الوصمة، وحذرت في الوقت ذاته من المجاملة في حقوق الأطفال.

مؤشرات مزعجة

الناشطة الحقوقية ومديرة مركز سيما للتدريب وحماية المرأة والطفل ناهد جبر الله، نبهت لوجود مؤشرات مزعجة للاغتصاب، بجانب تنوع في الحالات وارتباطها بالعنف والابتزاز وتصوير فيديو. وأوضحت أن قتل الضحية هو محاولة للتخلص من الشاهد الأساسي، وقالت إن الأمر لا يحتاج إلى تشديد عقوبة فقانون الطفل قد حسم هذا الأمر بالإعدام أو السجن لمدة (20) سنة، وطالبت بضرورة التفاكر حول وسائل الردع والحماية، ونبهت لتبعثر الجهود، وأن العمل في المجال يعتمد على الانفعالات الوقتية، وتمسكت بضرورة العمل المخطط والمستمر والتكاتف الاجتماعي.

وأعابت مديرة مركز سيما على الإعلام جنوحه للإثارة وليس المعالجة، وأبانت أن ردود الفعل من الأسر على بعض ما ينشر في الإعلام  لا تساعد على المعالجة، واستبشرت خيراً بانكسار حاجز الصمت وسط كثير من الأسر، وذكرت أنهم في المركز يقدمون خدمات الدعم النفسي والاجتماعي والتدريب وبناء القدرات ومناصرة كل المتأثرين بالأحداث.

وعن عدد الحالات التي ترد إليهم يومياً ومرتبطة بالعنف، أوضحت أن متوسط الحالات يبلغ حالة واحدة يومياً.

من المحرر:

تظل قضية حماية الأطفال من الجنسين من العنف الجنسي واحدة من القضايا التي تحتاج لتكثيف الاهتمام بها من قبل الأسر والمجتمع بأجمعه والدولة في المؤسسات المختصة المختلفة، ويحتاج الأمر لمزيد من التوعية والتثقيف بالقوانين وطرق الحماية المتعلقة بالعمل المسبق لمنع حدوث الانتهاكات، بالإضافة إلى تنفيذ القوانين بصرامة عقب حدوث الجريمة باعتبار أن عامل الردع هو عامل حاسم حفاظاً على شريحة الأطفال الذين يمثلون كل المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *