السبت, أبريل 20, 2024
مقالات

القبيلة كمدخل للسلام الاجتماعي

بقلم: كومان سعيد

يقول العالم الفيزيائي كارل ساجان في كتابة النقطة الزرقاء الباهتة the pale blue dot
“هذة النقطة الزرقاء (الارض) هنا موطننا ، عليها جميع من تحب ، جميع من تعرف جميع من سمعت عنه ، كل إنسان مهما كان عاش عليها هي جملة افراحنا ومعاناتنا ، الآلاف من المعتقدات والأفكار والمذاهب الإقتصادية . كل صياد وجامع طعام ،كل بطل وجبان ، كل صانع ومدمر للحضارة كل ملك ومزارع بسيط ، كل زوجين يافعين واقعين في الحب ، كل أب وأم وابن حالم ، كل مخترع ومستكشف ، كل معلم للأخلاق، كل سياسي فاسد ، كل مشهور وقائد اعلي ، كل تقي واثم في تاريخ جنسنا البشري عاش هنا ، على ذرة غبار عالقة في شعاع الشمس”.
إن الاختلاف في قيمة الجمالية هو كنز ثمين ، وهو يعكس التنوع الذي تمتاز به الحياة على كوكبنا ، كوكب الأرض ، النقطة الزرقاء الباهتة. يقول دكتور جون قرنق في ما معناه ان السودانيين يعيشون في دولة تمتاز بالتنوع ، وبتالي يجب المحافظة على هذا التنوع واستخدام الدولة في حماية هذا التنوع. إن القبيلة كمنظومة ثقافية هي مدخل للتعايش السلمي والسلام الإجتماعي وليست مدخل للصراع .
ما يحدث في شرق السودان أمر مؤسف حقا. منذ أن نال السودان استقلاله من المستعمر البريطاني لم تفكر النخب السياسية السودانية في بناء دولة تسع كل المكونات الثقافية الإثنية السودانية علي امتداد أرض السودان.بل عملت هذه النخب السياسية السودانية في تكرار نفس نموذج المستعمر البريطانى ، فعملت علي قهر الآخرين المختلفين ثقافيا ، وركبت علي ظهورهم في مشهد يعكس عمق الفجوة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد. خلقت كل تلك السياسات الخاطئة المتحيزة والمثيرة للفرقة والكراهية ، خلقت حربا امتدت حتي يومنا هذا ، كأطول حرب أهلية في القارة الأفريقية. حرب قتل فيها ملايين السودانيين ، َوتشريد ونزوح الملايين في جنوب السودان قبل استقلاله وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور وشرق السودان . في ملاحم أهلية كان الجلاد فيها المؤسسة العسكرية السودانية وقوات الدفاع الشعبي ومليشيات النظام الإسلامي.

هذه الأحداث الدائرة الآن في شرق السودان تعكس الفجوة الوطنية و الوجدان المشترك الغائب بين السودانيين و تفضح السياسيين الذين ما فتئوا يتحدثون عن الوجدان المشترك ، هذا الوجدان الذي يبدو غائبا و غير مشترك . نعلم جيدا أن النظام السابق عمل على زرع القبلية والإثنية بين السودانيين ولا عجب في ذلك،حيث أن المشروع الحضاري الإسلامي هو مشروع اقصائي وثقافي بإمتياز ، عمل جاهدا على تذويب وإعادة إنتاج الإختلاف الثقافي السوداني الجميل داخل بوتقة مشروعة المزعوم ، فخلق الحروبات واحدة تلو الأخرى وعمل على إثارة الفتن بين السودانيين.

ولكن بعد سقوط هذا النظام الإسلامي ، وتشكيل الحكومة الإنتقالية بقيادة الدكتور عبدالله حمدوك ، كان الأمل في تجاوز كل ما من شأنه أن يفرق ما بين السودانيين وكان أولها خلق سلام دائم عادل يخاطب جزور المشكلة السودانية و بتالي العمل علي خلق هذا الوجدان السوداني المشترك ، إلا أن الأمور تبدو غير ما كنا نرجوه . حيث شاعت الأحداث القبلية في تسارع غير مسبوق بين السودانيين في شرق السودان ، وغربه وفي جبال النوبة و في أقصي الشمال. في مشهد عكس حجم الكارثة بصورة واضحة وغير قابلة للتزييف. ان بعض القنوات الفضائيه الوطنية تبعث بالراحة للمواطنين السودانيين عندما تعرض على شاشاتها المختلف من التراث السوداني والمتنوع من العادات والتقاليد في مشهد الغرض منه هو عكس الاختلاف والتعايش السلمي في البلاد.

تبدو هذه السياسات مضللة ولا تعكس ما يدور في الواقع . إن خلق الترابط الإجتماعي و الوجدان المشترك يحتاج أكثر من مجرد عرض تلفزيوني ومحاولة تجميل ما لا يمكن تجميلة . لابد أن يكون للحكومة الحالية رؤية واضحة جدا تجاه الوعي الثقافي السلبي القبلي ومن ثم تضع سياسات لتنفيذ هذه الرؤي التي من شأنها مخاطب هذه التركة التاريخية الثقيلة . وهي مهمة شاقة جدا بكل ما تحمله الكلمة من معنى . يجب أن يتشبع الشعب السوداني ويتعلم قيم تقبل الآخر المختلف واحترام التنوع والتعدد ، في وطن فيه المختلف من اللغات والثقافات والأديان. وهي مهمة تقع على عاتق الحكومة الإنتقالية الحالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *