بيانٌ للناس .
في ما يتعلق
بقلم: مشاعر عبد الكريم
لطالما كانت ذكرى ثورة ٢١ أكتوبر مميزة، ربما لأنها كانت حدثاً فريداً في الإقليم العربي و الأفريقي، كما هو الحال في كل ثورة سودانية. وكلما قرأت لمعاصريها وشهودها والباحثين فيها وعن تفاصيلها شعرت بقدرة الشعب السوداني العظيمة و أهدافه التي تبين في الهتافات والتعاون والتلاحم بين الطلاب والمؤسسات النظامية و الشعب. وكيف استطاعوا أن يقدموا تضحياتهم الغالية مهراً للحياة التي ينشدونها.. وللأسف ما زلنا. وكيف تم منذاك الحين تسييس القوات المسلحة ففقدنا بذلك (الجيش) الذي ينحاز للشعب دون تلكؤ في كل ثورة، وفقد السياسي بوصلته التي تجعله يعرف ويصنع الفرق بين مؤسسات الدولة..وعناصر الحكومة.
الحكايةُ الآن تتكرر بعد ٥٦ عام من ثورة ٢١ أكتوبر ١٩٦٤، لم يتعلم أحد الدرس، فقد كنا جميعنا غياب. (حكومةً وشعباً)، كما تتكرر في البيانات السياسية، فقد مارست الحكومة الإنتقالية ذات القمع وراح ضحية تظاهرات الاحتجاج على الأوضاع المعيشية المتأزمة، شاب مغدوراً برصاص قوات نظامية. وتم إعتقال العشرات ظلوا حتى مساء اليوم الثاني في حراسات الأقسام ينتظرون الإجراءات القانونية للضمان. وتم الاعتداء على صحفيين و مراسلين لقنوات فضائية خارجية… و، و رُغم البيانات التي خرجت من وزارة الثقافة والإعلام و والي الخرطوم، فما زلنا في حيرة من أمرنا، (نان الثورة في كم؟) ما الذي تغير بإسقاط النظام السابق الشمولي القمعي، الأمني، المسئ للسودانيين؟
السنين التي أعقبت ثورة ٢١ أكتوبر، والكتابات المتفرقة للباحثين والأدباء، كان من شأنها أن تصنع لنا مخزوناً معرفياً في ما يتعلق بالثورات وكيفية المحافظة على المكاسب التي يحصل عليها الشعب. وأن تكون كذلك إرثاً سياسياً و ثقافياً غنياً يصنع لنا حجارة تُعيد الطريق لقادم الثورات التي تُصحح مسار الدولة السودانية لتعود بأفضل مما كانت عليه في محيطها الإقليمي. لكن أن نظل متحركين في دوائر وهمية تجعلنا نتقدم في السنين لكننا نتأخر في التنمية والتطور السياسي و المعرفي. فهذا لعمري أسوأ ما يمكن أن يُبتلى به شعب، يُعتبر مُعلماً للشعوب لمعاني السلام والسلمية وكيفية صناعة الثورات التي لا تترك خلفها أحد.
إحدى المهام التي يجب صياغتها قانونياً وتربوياً بشكل مُلزم هي أن نقرأ تاريخنا ونتعلم منه كيفية صناعة مستقبل جيد، وتصحيح الحاضر بكل اعوجاج السلوك الإنساني والسياسي و الاقتصادي وبطبيعة الحال، السلوك التعليمي. فكيف يمكننا العبور بشكل آمن ونحن ما زلنا نُدير آلة القتل في كل مكان في السودان بغض النظر عمّنّ يحكُم؟ ففي كسلا قبل أيام ارتقت ٨ أرواح بسبب قرارات سياسية رعناء. وقبل يومين ارتقت روح في الخرطوم لذات الأسباب. وربما بشكل أكثر صراحة، بسبب التجاهل الذي تمارسه الحكومة بشقيها المدني والعسكري و(المُكاجرة) بينهما لإثبات كل شق فشل الآخر، دون النظر للمصلحة العُليا لهذه البلاد.
العناد في هذا الجيل أكثر مما كتب فيه الدبلوماسي الأديب محمد المكي إبراهيم، ومع ذلك يشبههم جداً قوله في جيل ٢١ أكتوبر ٦٤:
(هدمَ المُحالات العتيقة، و أنتضى سيفَ الوثوق مُطاعناً.
ومشى لباحاتِ الخُلودِ عيونهُ مفتوحةٌ..
و صدوره مكشوفةٌ بجراحه مُتزينة.
مُتخيراً وعر الدروبَ،وسائراً فوق الرصاص، مُنافِحاً.
جيل العطاء لكَ البطولاتُ الكبيرةُ والجِراحُ الصادحة.
و لكَ الحضورُ هُنا بقلب العصر فوق طلوله المُتناوحة.
ولك التفردُ فوق صهواتِ الخيول روامحا.
جيلُ العطاء لعزمنا، حتماً يُذلُّ المستحيل… و ننتصر.
وسنُبدعُ الدُنيا الجديدة، وفق ما نهوى
ونحملُ عبءَ أن بنبي الحياة ونبتكر.)
نتذكرُ تسلقُ السياسيون على أخضر أرواح الشهداء، فهل يتذكرون هم، نهايات الطغاة؟