الثلاثاء, أبريل 16, 2024
مقالات

رحيل الإمام.. لا سياسة اليوم

بقلم: خالد فضل
نعم، رحل السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، إمام طائفة الأنصار الإسلامية، آخر رئيس للوزراء جرى انتخابه في ظل نظام ديمقراطي تعددي في العام 1986م، وقبلها في نهاية الستينات من القرن الماضي تولى منصب رئاسة الوزراء عبر ذات آلية الإنتخاب، كل هذه الصفات والمناصب العامة أبلى فيها عمره، وهي مواقع ومناصب ومهام تحتمل النقد والإختلافات االسياسية والفكرية، بيد أنّ ما لا خلاف حوله هو الصادق بن الصديق بن عبدالرحمن محمد أحمد، ذاك الإنسان .
في هذه السطور لن أخوض فيما هو مختلف حوله، كلماتي هنا عن ذيّاك الإنسان، فهو أب لعصبة من السيدات والسادة، عمّ لجماعة وخال، جدّ حبيب لعائلة ما شاء الله، البركة في ذريته والدعوات الصادقات له بالرحمة والغفران، والعزاء لأسرته وعائلته الكبيرة ولجماهير وقواعد حزب الأمة وطائفة الأنصار، وأخص بالتعزية الأخ الحبيب محمد زكي السكرتير الخاص للسيد الصادق وملازمه الوفي، أحسّ بأنّ فقد الصادق سيكون وقعه مؤلما لذاك الصديق، نواسيه في فجيعته الخاصة فهو رجل نبيل ذو خلق قويم، ولعل طبعه السمح وروحه العذبة جعلته يوافق طبع الإمام وروحه السمحة، وقد لمست بنفسي تلك الخصال الإنسانية الرفيعة في شخص الصادق، وعايشتها من خلال أبنائه وبناته الذين/اللاتي جمعنا بهم الشأن العام في أوقات مختلفة، كما تشرفت في بعض المرّات بدخول داره العامرة بأم درمان، في اللقاء الشهري بين السياسة والصحافة، ذاك المنبر التنويري والمنشط السياسي الإجتماعي الفكري الثقافي المهم، تعلّمت الكثير في خلال تلك الأيام ومن تلك اللقاءات، وأكثر ما تعلمته،هو طيبة الإمام وتواضعه وسماحته وحفاوته وترحابه، كنت أحسّ صراحة عندما أدخل داره كأنّي أدخل منزلا مألوفا مأهولا بكل إرث النقاء الإنساني في طبعته السودانية العادية، مثل بيوت أهلي في ودنعمان كانت داره العامرة، مثل الآباء وعبق الأجداد الأطهار كان يبدو شخص الإمام، فلا تشعر إزاء ما يبديه سوى الإحترام والتبجيل لشخصه، وتنسى في حينه ما يمكن أن يكون من مواضع لنقد في مضمار أدائه العام، ولا سياسة اليوم في حضرة الموت .
نعم برحيل السيد الصادق انقضت حقبة حافلة من حضوره الطاغي في مختلف مجالات الحياة، وفي كل حضور يزينه الأدب الجم، والتهذيب الواضح والسلوك المتحضر، وهو من الأشخاص الذين يمنحون المكان وضعا مميزا دون شك، قد يختلف الناس حول رأيه الذي يطرحه أو موقفه الذي يتخذه، ولكن لا أحد في تقديري يجرؤ على بهتان الصادق، بسؤ أدب، أو احتقار شخص، أو وقاحة، وإن بدرت منه أحيانا تعليقات لاذعة أو ردود جافية فإنّها في الغالب تكون عابرة وليست أصلا في طبعه, أذكر أنّ د. جعفر ميرغني ؛ وكان ضيفا على إحدى جلسات بين السياسة والصحافة كان قد نوه إلى أنّ معظم القادة السودانيين يمتازون بصفة التواضع والتبسّط في التعامل مع الناس دون غطرسة وكبرياء زائف، وضرب مثلا بجلوسه هنا في أريكة واحدة مع السيد الصادق بكل مواقعه القيادية التي يعتلي، وكان بالفعل من الأمور اللافتة في حياته تلك البساطة وطيبة الخاطر، ولهذا وصفه الكثيرون بحق بأنّه يمثل وجها محببا للإعتدال، مثلما مشهود في سيرته العامة المبذولة ترفّعه عن دنايا الفساد والإفساد في المال العام، رحم الله السيد الصادق المهدي، ورحم جميع موتانا، والتعازي لكل من فقد عزيزا في هذه الجائحة، أعلم أنّ أصدقاء وصديقات وأهل قد أصابهم قرح جراء هذه الجائحة الغاتية التي تنهش في جسد شعبنا وتفقدنا في كل يوم عزيز، وهذا يتطلب من الجميع توخي الحرص والحذر واتباع الإرشادات الصحية الوقائية عسى ولعل تنقشع هذه الغلالة الكالحة من الوباء، وحتى لا نفقد المزيد من الأحباب، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *