السبت, أبريل 20, 2024
مقالات

شفافية البرهان

بقلم: خالد فضل
للمرة الثالثة منذ توليه منصب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، يمارس الفريق أول عبدالفتاح عبدالرحمن البرهان فضيلة النقد لأداء السلطة التي يقف على رأس رمزيتها السيادية . أول مرّة كانت عقب التصريحات الشهيرة التي نسبت لرئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك، مفادها أنّ من أسباب التعثر والفشل الإقتصادي طيلة فترة توليه المسؤولية سيطرة الشركات والمؤسسات العسكرية والأمنية على حوالي 80% من المقدرات الإقتصادية للدولة، وهي موارد خارج ولاية وزارة المالية وبالتالي عدم دخولها ضمن موازنة حكومته، جاء الرد غاضبا وعاجلا من سيادة الفريق، وأمام حشد من ضباطه الكبار ؛ وللمكان وطبيعة المخاطبين مغزى ، متهما السلطة التي يقودها المدنيون بالفشل، مؤكدا حرصه واستماتته في الزود عن مكتسبات وشركات حاضنته من القوى العسكرية والأمنية لأنّ تلك المؤسسات تمّ تأسيسها من مواردهم الخاصة، وعدد نماذجا لتلك المؤسسات، كما أشار إلى بعض الشركات ذات الخصوصية بالنسبة لطبيعة العمل العسكري والأمني . في الواقع لم يتحدث الناس عن المؤسسات ذات الطبيعة العسكرية أو الخدمية التابعة للجيش و الأمن و الشرطة كالجمعيات التعاونية الإستهلاكية ، كما لا يمكن لمواطن أن يحسد جيشه وأمنه وشرطته على صندوق زمالة أو ضمان إجتماعي أو رعاية أسر الشهداء، هذه حقوق مستحقة لهذه الفئة من أبناء وبنات الشعب الذين يطلعون بدور ومهام لا غنى عنها لأي بلد ؛ الشرط الوحيد الذي يأمله الشعب هو أن تؤدي هذه الفئة من المواطنين عملها في حدود التوصيف المهني للمهام فقط، وألا تتجاوز تلك الحدود، وقد أشار السيد آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي إبان وساطته عقب مجزرة فض الإعتصام أمام بوابات القيادة العامة للجيش في قلب الخرطوم، أشار بوضوح ألى أنّ دور الجيش هو حراسة البلاد وحماية الدستور وليس ممارسة الحكم، فالأخير هذا هو دور السياسيين، عندها خرج الفريق الكباشي الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري يومذاك ليصرّح بأنّه لا توجد وساطة إثيوبية !! وحدث ما حدث من دمج للوساطتين تحت رعاية الإتحاد الإفريقي حتى توقيع الوثيقة الدستورية . إذا لا مغالطة أو استنكاف أو انتقاص من دور ومهام وحيوية وضرورة وجود هذه المؤسسات بطبيعتها تلك التي يحددها الدستور وتنظمها القوانين الديمقراطية، وقياس كل ذلك لحسن الحظ من المسائل التي يعيشها كل مواطن عبر الممارسة اليومية.

وقد تابعت على شاشة الفضائية السودانية قبل بضعة أسابيع حوارا جيّدا مع السيد محمد ساتي رئيس جهاز الرقابة على التأمين، أفاد خلاله أنّ قانون التأمين يمنع الإحتكار، ولكن كان الرئيس المخلوع عمر البشير قد أصدر قرارا باحتكار تأمين كل الممتلكات الحكومية لصالح شركة شيكان التابعة للقوات المسلحة، ويشكل التأمين الحكومي نحو60%من سوق التأمين في السودان بينما توجد حوالي 14شركة تأمين أخرى عليها التنافس في 40%من هذا السوق الضخم والذي يقدر حجم أمواله ب27مليار دولار . هذه بعض أوجه الإختلالات في الإقتصاد التي ربما يقصدها من يتحدثون عن فك القبضة العسكرية والأمنية على المؤسسات الإقتصادية، ولم أسمع من ينتقد مثلا توفير السكر أو خروف الضحية لمنسوبي القوات المسلحة من أموالهم الخاصة . الإسهاب في التحليل والتوضيح مهم لأنّ الغرض هو بناء أجهزة عسكرية وأمنية مهنية وذات مصداقية تكون محل ثقة المواطنين وتؤدي أدوارها ومهامها بكفاءة واقتدار، وعالم اليوم أصبح مفتوحا ومتاحا لكل إنسان على كوكب الأرض، وقياس النماذج لم يعد سرّا نوويا يتم التكتم عليه ! قلنا كان ذلك هو الإنتقاد العلني الأول من الفريق البرهان للسلطة المدنية بصورة خاصة، وقد ألمح ضمن حديثه ذلك إلى استعدادهم كجيش لاستقبال تفويض الشعب لمعالجة الفشل.
مرّة ثانية وجه البرهان انتقادا بالفشل، لكنه هذه المرّة لم يخصص السلطة المدنية بل عمم الوصمة دون تخصيص، جاء ذلك في كلمته بساحة الحرية بمناسبة احتفالات توقيع اتفاق جوبا للسلام مع فصائل الجبهة الثورية بمساراتها المختلفة.
أخيرا خلال الأيام الفائتة، وأمام حشد آخر من ضباطه وجنوده في ختام فعاليات مهرجان التدريب السنوي، عاد البرهان هذه المرّة أكثر يقينا في اثبات العجز والفشل في تلبية مطلوبات الثورة والثوار وأسنده هذه المرّة إلى هيكلين من هياكل الحكم في السلطة الإنتقالية هما مجلس السيادة الذي يرأسه ومجلس الوزراء، ممتدحا قيام مجلس شركاء الحكم الذي جاء بمقترح من قوى الحرية والتغيير وتمت إجازته في جلسة مشتركة لمجلسي السيادة والوزراء ونُشر في الجريدة الرسمية . كل ذلك يمكن قبوله بل سمعت الأستاذ كمال بولاد مقرر المجلس المركزي ل(ق. ح. ت) يتحدث بالهاتف لتلفزيون السودان أنّ فكرة المجلس تقوم على ذات فكرة اللجنة الثلاثية السابقة التي كانت تضم مجلس السيادة ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير، ومهمتها حلحلة ما يطرأ من تباينات في المواقف بين هذه القوى التي تشكّل الشراكة الإنتقالية، لغاية هنا الموضوع معقول ودخول عنصر رابع للشراكة وبالتالي للجنة تسهيل وحلحلة الخلافات أمر مقبول، ولكن هل مجلسا بهذه الصفة والدور يحتاج أن ينشر أمر تأسيسه في الجريدة الرسمية ؟ لماذا لم تك تلك اللجنة الثلاثية منشورة في الغازيتة الرسمية إن كان دور مجلس الشركاء هو فقط ما يتفضل بقوله السيد البرهان ومن يؤيده ؟ ثم هناك عبارة مهمة وغامضة قالها الفريق البرهان في خطابه ذاك، وهي أنّ مجلس الشركاء يضطلع بمراعاة مصالح الوطن العليا !!! هنا قد نصل إلى لبّ المسألة بوضوح شديد، فمثل هذه العبارة المفخخة هي المداخل الواسعة لكل فعل يريده البعض ويخشون من تبنيه صراحة، لأنّ عبارة مصالح الوطن العليا نسبية، مثلها مثل التعميم القاتل ( أهل السودان) أو نحن السودانيين كيت وكيت أو كل شعب السودان فداء البشير ضد أوكامبو، ما هي المصالح العليا للوطن ؟ إذا أجرينا استفتاء عشوائي لمائة شخص ربما حصلنا على مائة مصلحة عليا للوطن فما هي المصلحة العليا التي يريد أن يتبناها مجلس الشركاء ؟ لنضرب مثلا هل التطبيع مع إسرائيل مصلحة عليا ؟ هل بناء قاعدة عسكرية روسية في السودان مصلحة عليا للوطن ؟ هل استمرار المؤسسات العسكرية والأمنية على طبيعتها وعقيدتها التي صنعها لها نظام البشير المباد مصلحة عليا للوطن؟ وقد قال رئيس هيئة الأركان في زيارته لسلاح المدفعية عطبرة : (القوات المسلحة عصية على الهيكلة) وضمن بنود اتفاق جوبا نص يشير إلى إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمنية بما يضمن قوميتها ومهنيتها.
إنّ الشفافية التي يبديها سعادة الفريق البرهان في نعته بالفشل لهياكل السلطة الإنتقالية، خاصة الشق المدني، تثير التساؤل، فلماذا لم يعلن عن أسباب موضوعية أعاقت وتعوق سير الأداء الحكومي بالصورة المطلوبة ؟ لماذا يبدو دوما متحاملا على المدنيين وبالمناسبة عددهم في مجلس الوزراء 23فرد فقط بمن فيهم رئيس الوزراء فيما يزامله 6 في مجلس السيادة، فمثلا، كثير من القرارات التي يتخذها الوزراء المدنيون تكون مهمة تنفيذها على عاتق العسكريين فلماذا يتقاعسون عن القيام بها، مثلا صدور قرار من النيابة باعتقال متهم من أركان النظام المباد، هل ينفذه وكيل النيابة أم الشرطة ؟ احضار مطلوبين للتحقيق مثل علي كرتي الذي يخفي نفسه أو هرب هل يقوم بهذه المهمة وزير الزراعة ؟ وهكذا، حتى تنفيذ قرارات وزارة الصحة أو لجنة مكافحة كرونا بحظر السفر أيتولاها د. أكرم أم يشيل فيصل محمد صالح عكازه ليمنع السيارات التي يقودها منتسبين للأجهزة العسكرية والأمنية من المرور عبر بوابات العبور لكل ولايات السودان !! نحن مع شفافية البرهان للنهاية وهذا يقتضي أن يسود الضوء في كل الإتجاهات وليس فقط في إتجاه واح، ونتفق كذلك مع سعادة رئيسنا في قصور وفشل في كثير من أداء كل السلطات المدنية ليس على مستوى مجلس الوزراء فحسب بل على مختلف مستوياتها بما في ذلك سلطات نقل النفايات، وبالمثل هناك فشل وقصور في أداء كثير من مستويات وأجهزة الخدمة العسكرية والأمنية، ولدي مثال، فقد وقف أحد مواطني الحي الذي أقطنه عقب صلاة الجمعة وتحدث عن تأمين الحي من السرقات وبعض الممارسات السلبية كالخمور والمخدرات، وأشار إلى اجتماع لجنة التأمين تلك مع مدير عام شرطة المحلية، الذي أكد لهم أنّه لا يستطيع فعل شئ، لكن يمكن منحهم سيارة شرطة معطلة ليقوموا بصيانتها واستخدامها بوساطة أفراد الشرطة الذين سيوفرهم، دعا المتحدث قاطني الحي للتبرع لهذا الغرض !! لم أتمكن صراحة من توصيف حالتي في تلك اللحظات غير أنّي حوقلت فقط، سيارات الشرطة معطلة وغير جاهزة للإستخدام، مواطنون يقومون بصيانتها على حسابهم، هناك حصين للسواري لكن مع الأسف لا يوجد (ركّاب)!والمسوغ الأساسي الوحيد لوجود العسكريين ضمن هياكل السلطة الإنتقالية هو ملف الأمن، والسيد البرهان يقر بالعجز التام والفشل في تلبية طموحات الشعب والثورة، يا لها من شفافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *