الجمعة, أبريل 19, 2024
مقالات

الكنداكات.. لا زال المشوار طويلاً

بقلم: لمياء الجيلي
اتفقت الأحزاب السياسية (يمينها ويسارها) وقوى الكفاح المسلح (العلمانية وذات التوجه الإسلامي) اتفقت جميعها على إقصاء النساء وإبعادهن عن حقهن في القيادة والمشاركة في إدارة شئون بلادهن.. فجاء تمثيل أطراف جوبا في مجلس السيادة ذكوري (كامل الدسم)، وفي التشكيل الوزاري الأخير بنسبة اقتطعت من مقاعد النساء في السابق، وتقلصت نسبة المشاركة الى اقل من 15%.. ، فاغتصبت فرحة النساء بالسلام ، وزادت قلقهن علي مستقبل التحول الديمقراطي وتحقيق مطالب الثورة في العدالة ..هذا التشكيل بهذه الصورة يمثل انتهاك واضح لاتفاق جوبا للسلام، كما يمثل ظلم وقهر بين لمن كن وقود ثورة ديسمبر المجيدة والمحرك الأساسي لها، ول (الكنداكات) والمناضلات اللاتي وضعن بصماتهن في كل تفاصيل رحلة الكفاح (اليوماتى)، وخيانة للنساء الرفيقات بحركات الكفاح المسلح ولما قدمن من تضحيات وصمود وسبات علي جبهات القتال… هذا الوضع يفضح العقلية الذكورية لصانعي القرار السياسي ويكشف البون الشاسع بين مطالب النساء وأولوياتهن وبين استراتيجيات وبرامج كل القوى السياسية المشاركة في إدارة شأن الفترة الانتقالية. والتجارب العملية في السودان، وعبر التاريخ توضح أن النساء شقائق و(شريكات) كاملات الأهلية لدي الحروب والأزمات والثورات، و(مبعدات) و(مقصيات) عندما تحين ساعة جني ثمار ذات الكفاح والنضال الطويل الشاق. فينطبق عليهن المثل السوداني (في حزنكم مدعية وفي فرحكم منسية). هذا التشكيل المختل، وهذه المشاركة الرمزية إجحاف بين بينونة كبرى في حق النساء، وضربة قاسية للفعل والحراك الثوري (السلمي والمسلح) ولتاريخنا الإنساني العظيم.
المشاركة الغير عادلة للنساء فيما تم تنفيذه من هياكل السلطة الانتقالية مخالف للاتفاقيات والمواثيق الإقليمية والدولية التي صادق عليها السودان، كما فيها مخالفة صريحة للوثيقة الدستورية فالمادة (8 الفقرة7) مهام الفترة الانتقالية نصت علي “ضمان وتعزيز حقوق النساء في السودان في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة مع مراعاة التدابير التفضيلية المؤقتة في حالتي السلم والحرب”. ايضاً يمثل انتهاك واضح لاتفاق جوبا للسلام فقد نصت المبادئ العامة للاتفاقية في المادة (1.20) على “أهمية تمثيل المرأة في جميع مستويات السلطة ومراكز اتخاذ القرار بصورة عادلة وفاعلة وبنسبة لا تقل عن 40% “. الخلل الذي تحدثه هذه المشاركة الغير عادلة في مسيرة الفترة الانتقالية وما سيليها من انتخابات سيلقى بظلاله على أوضاع النساء، وعلى إمكانية تحقيق العدالة النوعية، وتحسين فرص التمتع النساء بحقوقهن السياسية والمدنية والسياسة والاقتصادية والمدنية والثقافية، كما سيعيق تحقيق التحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة.
انتبهت النساء بتنظيماتهن وبمبادرتهن المختلفة كمبادرات (لا لقهر النساء)، و (حقنا كامل ما بنجامل)، و(50-50) وتحالف نساء المجتمع المدني والنساء السياسيات (منسم)والعديد من المنظمات المدنية، الى الخلل الواضح في تقدير القوى السياسية والمدنية الى أهمية المشاركة العادلة والمنصفة للنساء، وأن هذه المشاركة حق من الحقوق الأساسية وليست منحة من أحد.. وأن هذه المشاركة واجب مستحق. لذا بذلت تلك المبادرات النسوية جهوداً مقدرة لضمان هذه المشاركة العادلة، والتي وضح الخلل فيها، منذ بدء المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، فقد تم تمثيل النساء بنسبة ضئيلة جداً في تلك المفاوضات، وكانت النتيجة نصوص ضعيفة وخجولة في الوثيقة الدستورية حول مشاركة النساء بنسبة 40% في المجلس التشريعي الانتقالي.. ولم تشر صراحة الى المشاركة في بقية هياكل السلطة، الأمر الذي تم تداركه في اتفاقية جوبا للسلام ليتم التأكيد على مشاركة النساء بنسبة لا تقل عن 40% في كل هياكل السلطة الانتقالية. وهذا الإنجاز تم تجاوزه لدى إضافة ممثلي حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا لمجلس السيادة وفي الحكومة التي تم إعلانها مؤخراً.
نعلم أن هذا الخلل في مشاركة النساء في هياكل السلطة الانتقالية له جذور تاريخية عميقة ليس من السهل معالجتها أو تجاوزها بين عشية وضحاها، منها أوضاع النساء داخل الأحزاب السياسية وما يتعرضن له من إقصاء وتهميش، ومن سيطرة أبوية على قيادة تلك المؤسسات مما انعكس على برامج وسياسات تلك المؤسسات فنجد غالبها مصاب بالعمى النوعي، ولا يجعل من قضايا النساء وانصافهن أولوية. هذا الواقع أدى لأن تكون غالبية ترشيحات المؤسسات الحزبية للرجال، أو (نادراً) بمشاركة ضئيلة جداً للنساء. ومن يتمكن من ولوج هذه المساحة المحتلة (رجالياً) يتعرضن للكثير من الاستهداف والمضايقات ووضع العقبات أمامهن أو (دس المحافير).
الوعي المبكر للنساء وتوحدهن حول قضاياهن وحقوقهن هو الضامن لمواصلة المشوار لانتزاع الحقوق وللوصول العادل والمنصف الى مراكز صنع القرار السياسي، ولمعالجة هذا الخلل الذي صاحب العمل السياسي والنخبوي خلال العقود الماضية.. فالتجارب السابقة وما تعرضن له النساء من قهر وإذلال ونزوح وتشريد بسبب سياسات النظام البائد، وما دفعته النساء من ثمن غالي من صحتهم وراحتهم وكرامتهن للحفاظ على تماسك المجتمع والأسر أضاف رصيد ثر للنساء، و لتجاربهن ولخبراتهن، وبالتالي على الأحزاب أن تعلم أن النساء لم يعدن تلك الكتلة التي يتم استغلالها لترجيح كفة صناديق الاقتراع أو لتنفيذ برامج وأجندة لا تلبى طموحاتها أو تحقق ما تريده من تغيير حقيقي في حياة النساء وأوضاع أسرهن. موقف الأحزاب السياسية من مشاركة النساء في إدارة دفة البلاد وفي صنع القرار السياسي، ووجود قضايا النساء على أجندة الأحزاب السياسية ما سيحدد مواقفهن لدى الانتخابات القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *