السبت, أبريل 20, 2024
مقالات

الحُكم المدني وطاحونة الفساد…!

بقلم: د. مرتضى الغالي

كنا قد ذكرنا في مرات سابقة أن الفساد هو من أعدى أعداء الديمقراطية والحُكم المدني.. وكذلك التهاون في مكافحته وملاحقته.. كما أن الشموليات هي أصلح البيئات لانتشاره وتفريخه؛ وذلك بطبيعتها القهرية وإسقاطها لحُكم القانون بحثاً عن (شرعية مفقودة) عن طريق الرشوة والمحاباة والتمكين وشراء الذمم؛ وهي بذلك تمهّد الطريق واسعاً لاستشراء الفساد وتجعل منه السبيل الأوحد للحصول على خدمات الدولة في غياب العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة والفرص المتساوية..!!
كنا قد أشرنا في غير مرة إلى الحجم المهول للفساد الذي خلّفه نظام الإنقاذ بعد سقوطه؛ وهو فسادٌ متعدد الأوجه والوجهات والأساليب: اتجه بعضه إلى التهريب وبعضه إلي نهب الموارد وبعضه غالى سرقة أصول القطاع العام وبعضه إلي الحيازة والمتاجرة في أراضي الدولة وعقاراتها و وبعضه في الامتناع عن توريد عائد الصادر وبعضه يدخل في باب التلاعب بالعطاءات والمقاولات والتوكيلات وبعضه كان في مجال غسيل الأموال والاتجار في العملة وبعضه في ميدان منح الامتيازات والإعفاءات التي ضربت الإنتاج والتجارة المحلية ببوار عظيم؛ وبعضه في ساحة التلاعب بالقروض وبعضه جرى تحت لافتة الخصخصة وكثير من كبائر حالات الفساد كان بسبب التجنيب وهذه من الآفات الكبرى التي تفنّنت فيها نظام الإنقاذ؛ وما التجنيب إلا سرقة من الباب الخلفي تتيح للصوص الكبار من قادة النظام حرمان الخزينة العامة من العائدات ومن رسوم الدولة وتحويلها إلى (حصّالات خاصة) يسهل سرقتها بواسطة المُجنبين أنفسهم ويتيسّر عبرها نقل المال العام إلى الحزب الحاكم بعد أن أصبحت الدولة جميعها مزرعة خلفية لحزب السلطة والمتحالفين معه…. وقد شاهد المواطنون نهاراً جهاراً كيف تلاعبت الإنقاذ بتجنيب أموال الدولة لمصلحة أفرادها وحزبها وجعلت الصرف من هذه الأموال سراً مغلقا يتم تبادل المال العام فيه بوريقات وتعليمات شفاهية لا شأن لدواوين الدولة والخدمة المدنية بها..!! وهكذا تمت سرقة الخزينة العامة بهذه الأعجوبة التي كانت اعتمدتها الإنقاذ فمنذ أوائل عهدها تقنيناً للسرقة واللصوصية وشفط المال العام من القنوات الرسمية وفك ولاية وزارة المالية عنه، وإدخاله في أقبية مظلمة لا يعلم عنها غير المتنفّذين من قياداتهم ويقومون بالصرف منها على ذواتهم وشركاتهم ومنظماتهم الحزبية وعلى تمويل الإرهاب والمليشيات وشراء الولاء والتأسيس لإمبراطوريات الفساد التي تجعل معظم أموال الدولة ومواردها في أيدي قلة من أفراد السلطة ووكلائهم..!
لقد نظرنا في وثيقة واحدة من وثائق فساد نظام الإنقاذ فإذا بها (طامة كبرى) تزلزل حتى اقتصادات الدول الكبرى..!! أنها وثيقة من (350) صفحة لا تمثل غير (الجزء الأول فقط) من تقرير أعده “تيار المقاومة الشعبية السودانية- مكتب التوثيق والأرشفة”.. وقد حملت الوثيقة في مقدمتها فهرساً لأنواع الفساد السياسي والإداري والمالي والنقدي والثراء الحرام والمشبوه والفساد الناشئ عن إهدار الموارد.. واشتملت على أرشيف كامل لتقارير الفساد المحلية والإقليمية والعالمية، وتضمّنت عناوين لمواقع ومواضع الفساد بينها فساد التعدي على أموال البنك المركزي وقطاع الاتصالات والشركات العامة والمؤسسات والهيئات والمشروعات القومية، والإعفاءات والاختلاسات، وفساد المعونات والإغاثات والقروض والمنح و(التجنيب).. والفساد في الضرائب والجمارك والمشتريات، وفساد الخطوط الجوية والبحرية والسكة حديد والموانئ والنقل البري والبحري.. وفساد المنظمات الحزبية، والفساد في بيع عقارات الدولة في عواصم العالم؛ والفساد في مال الزكاة والحج والعمرة والأوقاف، وفساد البنوك وفروعها الخارجية والمحلية، وفساد الوزراء والوزارات والمفوضيات والمحليات والولايات..وفساد التهريب والتعدين..وفساد الصناديق السيادية والقومية للمعاشات وللطلاب والشباب والمرأة والضمان الاجتماعي والادخار..وفساد الصادر والوارد.. وفساد حزب السلطة باعتباره (الراعي الرسمي) لكل أنواع الفساد المذكورة في الوثيقة.. وفساد عطاءات الطرق والجسور والسدود والبنايات.. وفساد العقارات والإيجارات..وفساد منظمات الإنقاذ وجمعياتها وروابطها وهيئاتها.. وفساد القصر والمخصصات والأسفار و(اليخوت والفلل الرئاسية) والفساد في وظائف ومخصصات الخبراء والمستشارين وفساد نثريات الوفود و(رواتب الموتى) والجبايات والرسوم والأتاوات والعشور والقبانات..وغير ذلك مما تصعب الإحاطة به من أنواع وأصناف ومجالات الفساد ورعاته والمستفيدين منه..!
وخلاصة ذلك أن فساد الإنقاذ يجب مقابلته بما يستحق من آليات ورصد ومتابعة ولجان نيابية متخصصة، وربما احتاج الأمر إلى عشرات اللجان (على أقل تقدير) وإلى مفوضيات نشطة تضبط حدوده ومداه وحجمه وتحدد مجالاته وما فقده السودان بسببه من أموال وموجودات ومؤسسات ومن إفقار (وإضاعة سنوات من مستقبل أجياله) تمهيداً لسرعة محاكمة أباطرة الفساد والمتسبّبين فيه.. والأمر الثاني انه لا حجة في تأخر قيام أجهزة الإعلام بعرض هذه التقارير على الشعب حتى يعرف الناس (ولو لمحة عابرة ) من فساد لصوص الإنقاذ..ولنا عودة حول عمل ديوان النائب العام ..ودور.. بل أدوار منظمات الشفافية ومفوضية وهيئات مكافحة الفساد..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *