السبت, أبريل 20, 2024
تقاريرسياسة

التعثر الديمقراطي في السودان.. كتاب جديد للبروفيسور عطا البطحاني {8}

الخرطوم: حسين سعد

يسرد البطحاني في الحلقة الثامنة التي تنشرها (مدنية نيوز) عن كتابه (التعثر الديمقراطي في السودان) عوامل فشل التجربة الديمقراطية الثانية ويقول تكررت عوامل وسمات فشل التجربة الأولى في المرحلة الثانية. في التجربة الثانية، أبت تجربة المرحلة الثانية إلا أن تضيف سمات جديدة للفشل واكب التجربة السياسية حتى المرحلة الثالثة وما بعدها كما سنرى.

أربع حكومات في أربع سنوات

(1) الحكومة الأولى من 1965 اِلى 1966 بقيادة محمد أحمد المحجوب (حزب الأمة) رئيساً للوزراء وإسماعيل الأزهري (الوطني الاتحادي) رئيساً لمجلس السيادة.

(2) الحكومة الثانية من 1966 اِلى 1967 بقيادة الصادق المهدي (حزب الأمة – جناح الصادق) رئيسا للوزراء وإسماعيل الأزهري (الوطني الاتحادي) رئيساً لمجلس السيادة.

(3) الحكومة الثالثة من 1967 اِلى 1968 بقيادة محمد أحمد المحجوب (حزب الأمة – جناح الإمام) رئيساً للوزراء وإسماعيل الأزهري (الاتحادي الديمقراطي) رئيساً لمجلس السيادة.

(4) الحكومة الرابعة من 1968 اِلى 1969 بقيادة محمد أحمد المحجوب (حزب الأمة – جناح الإمام) رئيساً للوزراء وإسماعيل الأزهري (الاتحادي الديمقراطي) رئيساً لمجلس السيادة.

حل الحزب الشيوعي

ويضيف عطا خلال الديمقراطية الثانية 1965-1969، قادت السياسة الحزبية إلى الانقسام في حزب الأمة الذي وجدَ نفسه منقسماً إلى حزبين، أحدهما يعود للزعيم الديني للأنصار، الإمام، وسميَّ بحزب الأمة-الإمام، والثاني يعود إلى الصادق المهدي، ويُسمى حزب الأمة-صادق. وقبل الانقسام، خلقت انتخابات 1965 حكومة ائتلافية الوطني الاتحادي وحزب الأمة. أصبح زعيم الحزب الوطني الاتحادي، الأزهري، رئيساً لمجلس السيادة بعد إجراء تعديل ميكانيكي في الدستور المؤقت. وأتاح هذا التعديل للأزهري فرصة أن يكون الرئيس الدائم لمجلس السيادة، وهو منصب كان الرأي الأصلي أن يتناوب عليه خمسة أعضاء، ويتابع عطا: أثار نشاط الحزب الشيوعي واليسار عموماً حفيظة القوى اليمينية التي استغلت حديث طالب في معهد المعلمين العالي عن السيدة عائشة، فعملت على حشد وتعبئة جماهيرها ضد الحزب الشيوعى. ورضخت السلطة التنفيذية للمد اليميني الإسلاموي بتعديل الدستور لحظر حزب قانوني، وهو الحزب الشيوعي، واستبعاده من عضوية البرلمان. وعلاوة على ذلك، فحينما حكمت المحكمة العليا ضد الحظر، أهملت الحكومة قرار المحكمة هذا، وأكرهت رئيسها على الاستقالة. وهكذا تولدت أزمة سياسية كبيرة، مما عجّلَ بقيام انقلاب مايو 1969. وفي الأيام الأخيرة من الديمقراطية الثانية، بعد انتخابات 1968، كان السياسيون البارزون كما يقول منصور خالد قد (استنفدوا بالفعل طاقاتهم في الضغينة الحزبية الداخلية وما بين الأحزاب، مهملين، أثناء ذلك، اقتصاداً عليلاً، وبلداً مقسَّماً وحرباً أهلية متصاعدة)

ألوهية القيادة

ويمضي البطحاني للقول: إضافة إلى ذلك، شهدت الديمقراطية الثانية تعميق البنية الطائفية للأحزاب السياسية، الموروثة من العهود الاستعمارية. فرغم وجود إشارة متكررة في الأدب إلى طموحات السيد عبد الرحمن المهدي لأن يصبح ملك السودان، ولكن تدخله في السياسة كان، عملياً، كمرجع أعلى وراعي لحزب الأمة باعتباره إمام الأنصار. ومن ناحية أخرى، لم تُعرف للسيد علي الميرغني أي طموحات سياسية، وكان راعي للأحزاب الوحدوية. وهكذا، ولغاية بداية الديمقراطية الثانية، كان هناك فصل بين الجانب الروحي والجانب السياسي في بنية الحزبين السائدين. ومع ذلك، فإن النصح الذي قدمته المرجعية للأحزاب السياسية كان مدمِّراً للثقافة والممارسات الديمقراطية في البلاد. وكما لاحظ صالح بشكل بليغ، إن طبيعة الثقافة السياسية التي يُتوقع أن تدعم الديمقراطية كانت هكذا بحيث أن الانضمام لحزب ما سياسي أمر ثانوي بالنسبة للمعتقد الديني بإلوهية القيادة فمنذ أيام الاستعمار، شكّلَ أتباع الأحزاب السياسية “جماعة من الحواريين الذين لم يكونوا قط في وضع يتحدون فيه القيادة المقدسة التي ينشدون منها البركة الدينية أكثر من الفائدة السياسية أو الاقتصادية. إن زعماء هذه الأحزاب ينعمون بالجلال والتقدير الذي يسبغه عليهم أتباعهم، بما في ذلك النخبة السياسية المتعلمة.

الإسلام السياسي

ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الإسلام السياسي بدا، أثناء الديمقراطية الثانية، كحزب سياسي جماهيري منظَّم على شكل جبهة الميثاق الإسلامي، تحت قيادة حسن الترابي. وكما ستبين الأحداث اللاحقة، فإن ظهور الترابي رفعَ من عدد اللاعبين السياسيين في البلاد ونوّعَ قائمة الدسائس والمؤامرات. وتَمثلَ برنامج جبهة الميثاق الإسلامي في الحاجة لصياغة وتطبيق ما يسمى بالدستور الإسلامي. إن الدفاع عن دستور اِسلامي كان يضايق ويرعب الحزبين الكبيرين الآخرين بالذات، إذا أخذنا بالاعتبار جمهورهما الإسلامي. ففي مجتمع متعدد الثقافات والأديان، أثبتَ هذا الدفاع أنه يتسبب في المزيد من الخلاف والشقاق، كما وسّعَ من حقل النزاع السياسي أيضاً. وكما أثبتت الأحداث اللاحقة، فإن جبهة الميثاق الإسلامي بتنظيمها الحديث وعملياتها الفعالة جداً، برزت أخيراً كحزب طائفي- جديد باسم الإسلام السياسي كما تظهر التطورات اللاحقة.

تعدد عوامل الفشل

وقبل نهاية الديمقراطية الثانية، أخذ يتضاءل الفصل بين الجانب الروحي والجانب السياسي. إذ أن الإمام الجديد للأنصار، السيد الهادي المهدي، دعمَ صياغة دستور ما إسلامي وعبّر عن اهتمامه بأن يصبح رئيس جمهورية إسلامية حينما يتم تكوينها. وأن السيد الصادق المهدي، الذي هو رئيس حزب الأمة منذ ذلك الوقت، دافع عن، ونجح أخيراً في، دمج قيادة الطائفة والحزب. ومحاججته الأصلية كانت على شكل تحديث الأتباع الأنصار، ولكن المصلحة السياسية من خلق حزب تابع كانت واضحة. وبالمثل، أصبح السيد محمد عثمان الميرغني، أخيراً، رئيساً للحزب الاتحادي الديمقراطي. فعدم القدرة على (تحدي القيادة الدينية) للأحزاب السياسية أصبحت مترسخة أكثر في الأدب السياسي للبلاد رغم مرور الوقت وتغير الظروف. إن تواصل وتعمق الثقافة السياسية، الموروثة من العهود الاستعمارية، قد أضعف أكثر عدداً من المبادئ الأساسية للديمقراطية. في ختام هذه الحلقة يشير البطحاني إلى تعدد عوامل فشل الحكومات الحزبية نتيجة للتشرذم والتجاذبات السياسية لتعظيم الفائدة العاجلة على حساب المصلحة الوطنية، زيادة حدة الاستقطاب السياسي، بروز الإسلام الحركي والسياسي وابتزازه للحزبين الكبيرين بدعاوى الدستور الإسلامي، بالاِضافة للضيق بقيم ومبادىء الديمقراطية المتمثلة في احترام القضاء والفصل بين السلطات. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *