الثلاثاء, أبريل 16, 2024
مقالات

الأزمة السودانية والتطورات الإقليمية والعالمية (5)

الخرطوم: حسين سعد

في المحور الرابع عشر من سلسلة حلقاتنا التي نحاول من خلالها متابعة الازمة السودانية والتطورات الاقليمية والعالمية، ومن بين هذه التطورات نشير الى عدد من المتغييرات من بينها تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية وفتور العلاقة بين أثيوبيا وأرتريا، وتوتر العلاقة بين الخرطوم وأديس ابابا، والتحركات بين الخرطوم وأسمرا، لكن دعونا نبدأ بتأثيرات الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها السلبية على دول القارة السمراء والشرق الاوسط على المحيط الاقليمي، فضلا عن تأثيرتها عالميا، وتعتبر روسيا وأوكرانيا قوة إقتصادية كبيرة، وتقول تقارير إعلامية ان روسيا تمتلك إمكانيات هائلة لإنتاج الطاقة، وتُعدّ ثالث دولة منتجة للنفط في العالم والثانية في إنتاج الغاز، مما جعلها سوقاً عالمية ضخمة، تعتمد مناطق بأكملها من العالم على إنتاجها خصوصاً من الغاز. ويعتمد اقتصاد روسيا بشكل كبير، على تصدير النفط والغاز، التي تُشكّل ثلثَيْ صادراتها وتسهم بما بين 30%؜ إلى 40%؜ من الناتج القومي، كما تُعدّ كذلك من الدول الرائدة في مجال تصدير المعادن؛ مثل الفولاذ، والألمنيوم، ويشكّل قطاع الصناعة فيها نسبة 32.4% من الناتج القومي، وبالتالي، يشكل كل من النفط، والمنتجات البترولية، والغاز الطبيعي، والمعادن، والخشب، والمنتجات الخشبية، والكيماويات، ومجموعة واسعة من الصناعات العسكرية والمدنية الصادرات الرئيسية فيها، وفي المقابل، تمتلك أوكرانيا أراض زراعية شاسعة وغنية جعلتها واحدة من أكبر مصدِّري الحبوب في العالم، إذ إنها تُعرف بـ”سلة الخبز” في أوروبا، باعتبارها خامس أكبر مصدِّر للقمح في العالم. وبلغت قيمة صادرات أوكرانيا من القمح 3.1 مليار دولار في 2019، واستحوذت مصر على حصة الأسد منها بـ 22.2%، بقيمة تبلغ نحو 685 مليون دولار، كما ورثت أوكرانيا من الاتحاد السوفييتي، قاعدة صناعية متطورة، وعمالة مدرَّبة تدريباً عالياً، ونظام تعليم جيد، بالإضافة إلى أنها واحدة من أهم الدول المنتجة للمعادن في العالم، من حيث نطاق وحجم احتياطياتها، على رأسها الفحم الذي يتواجد جزء كبير منه في إقليم الدونباس الانفصالي، ولكنها لا تحقق الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز.

توتر مع أثيوبيا..

هناك أيضا تطورات لافتة شهدتها الساحتان الإثيوبية والقرن إفريقية مؤخراً، فمع الهدوء النسبي على جبهة المواجهة بين الجيش الفيدرالي ومقاتلي التيغراي، انتقل الصراع المسلح إلى داخل المعسكر الحكومي بالمواجهة المستمرة بين الحكومة الإثيوبية وما تصفها بالقوى المسلحة غير النظامية وعلى رأسها مليشيات فانو الأمهرية، كما برز في سياق موازٍ مواجهة أخرى مع جيش تحرير أورومو، ونتيجة لتشابك الملفات الداخلية والخارجية الإثيوبية فقد تزامنت التطورات السابقة مع حراك آخر على صعيد العلاقات البينية بين كل من إريتريا وإثيوبيا والسودان، وسط مؤشرات إلى تغيرات سياسية تقبل عليها المنطقة، تعتبر المواجهة التي تخوضها الحكومة الإثيوبية مع مليشيات فانو الأمهرية حدثاً غير متوقع، بالنظر إلى دورها في حرب تيغراي حيث كانت جزءاً هاماً من التشكيلات المسلحة غير النظامية التي قامت بالهجوم المضاد على قوات التيغراي بعد التشتت الذي أصاب الجيش الفيدرالي على إثر الضربة المفاجئة التي لحقت به في أول أيام الحرب 4 نوفمبر 2020، حيث بسطت هذه المليشيات مع القوات الخاصة التابعة لإقليم أمهرا سيطرتها على مناطق غربي تيغراي، كما برز دورها أيضاً بشكل أكبر في صد قوات التيغراي بعد توغلهم في إقليمي أمهرا وعفر صيف وخريف العام الماضي، وتهديدها باقتحام العاصمة وإسقاط حكومة آبي أحمد، هناك أيضا فقد خاضت حومة ابي أحمد مواجهات مع جيش تحرير أورومو متوقعاً حيث حمل هذا التنظيم السلاح بوجه الحكومة المركزية لسنوات، وبرز دوره بشكل كبير في خريف العام الماضي مع إعلانه مع حليفته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي اقترابهم من تطويق العاصمة أديس أبابا.

أسمراء وأديس أبابا..

في يوليو 2018م تم توقيع إعلان المصالحة بين أسمرة وأديس أبابا بتوقيع إعلان المصالحة وإنهاء الصراع الحدودي الدامي بين البلدين على مثلث “بادمي”، تعددت المؤشرات في الفترة الأخيرة على وجود تباين بين الطرفين، حيث تكرر الانتقاد الإريتري لطريقة تعاطي الحكومة الإثيوبية مع ملف التيغراي. لكن المواجهات بين الحكومة الاثويبة وبعض المجموعات المسلحة الاثيوبية سوف تدفع الي فتور في العلاقة بين أديس ابابا واسمراء مستقبلا أما العلاقة السودانية الإثيوبية فقد مرت خلال أعوام الحرب في تيغراي بالعديد من التعرجات المرتبطة بمجموعة من الملفات بين البلدين بدءاً بسد النهضة وانتهاء بالتوترات حول مثلث الفشقة. كما ان اثيوبيا تعاني في مناطق مختلفة منها من موجة جفاف حاد وظروف أشبه بالمجاعة تواجه ملايين المواطنين، وهي مرتبطة بتسارع دورات الجفاف في المنطقة الناتجة عن التغيرات المناخية، ما يعني تكرار هذه الكوارث في المستقبل، وبالتالي تزداد الأهمية الاستراتيجية لأراضي الفشقة الخصبة كسلة غذاء مستقبلية. شهدت العلاقة بين الخرطوم وأديس أببا مؤخرا توتر بسبب قدوم الاخيرة (خبر اعدام السودانيين) أما العلاقة بين الخرطوم وأسمراء فقد شهدت الفترة الاخيرة تحركات بين البلدين وزيارات متتابعة لوفد إريتري برئاسة وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح إلى السودان، كما عرضت إريتريا التوسط في حل الأزمة القائمة في شرق السودان، في حين أعلن السفير الإريتري في الخرطوم عيسى أحمد عيسى أن “أمن السودان يمثل أمناً للمنطقة الإفريقية.

هذه التحركات الإريترية نابعة من إدراك أسمرة للتحولات الجارية في المنطقة على أكثر من مستوى، حيث إن تدهور العلاقات الإريترية الإثيوبية سيكون نتيجة مباشرة لوصول عملية المصالحة الإثيوبية المحتملة إلى تسوية سياسية، وفي هذا السياق يبدو موقف الخرطوم من التطورات المستقبلية هاماً لأسمرة حيث مثل السودان الرئة التي تنفست من خلالها إريتريا في مرحلة ما قبل 2018، مع إغلاق الحدود و”الحرب الباردة” مع كل من إثيوبيا وجيبوتي. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *