الجمعة, أبريل 26, 2024
تقاريرسياسة

تعدد الجيوش بالسودان.. تهديدات تواجه الانتقال الديمقراطي

تقرير: محمد إبراهيم الخليفة

في الوقت الراهن توجد بالسودان عدد من الجيوش والحركات المسلحة التي تحتفظ بأسلحتها وبعضها دخل الحكومة عبر اتفاقية السلام الموقعة في عاصمة جمهورية جنوب السودان جوبا التي وقعت في أكتوبر 2020، حوالي (10) حركات وفصيل مسلح، وانخرطت تلك القوات في السلطة على كل المستويات.

وفي الوقت ذاته هناك حركات لم تنخرط في اتفاقية السلام منها الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو التي تسيطر على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان، إضافة لحركة وجيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور التي تسيطر على مناطق في دارفور.

بطء الترتيبات الأمنية

ومع تعدد الجيوش والحركات المسلحة يمكننا أن نتساءل عن مدى تأثير تعدد الجيوش والحركات المسلحة على العملية الانتخابية المرتقبة، لا سيما وأن بند الترتيبات الأمنية الذي يفضي لدمج جيوش الحركات في الجيش القومي الموحد يسير ببطء شديد – ويعتبر مراقبون أن الكثير من الحركات المسلحة التي انخرطت في السلام ليست لها الجدية اللازمة للتحول الديمقراطي ويستدلون على ذلك بدعم بعض قادة الحركات للانقلاب الأخير الذي نفذته القوات المسلحة والدعم السريع على حكومة الدكتور عبد الله حمدوك، في (25) أكتوبر الماضي.

والمتتبع للعملية السياسية عقب إسقاط النظام عبر ثورة ديسمبر 2018م وقبل انقلاب (25) أكتوبر، يجد أن هناك قضايا جوهرية لم تنفذ، منها تشكيل المفوضية القومية للانتخابات والمحكمة الدستورية ومعالجة قضايا النازحين واللاجئين، والانقلاب الأخير زاد المشهد السياسي في السودان تعقيداً وتجلت آثار الانقلاب على وقف دعم المجتمع الدولي لاتفاق السلام الذي يحتاج للكثير من الأموال في بند الترتيبات الأمنية وتعويض النازحين واللاجئين وغيرها.

واعتبر العضو بحركة العدل والمساواة صديق أبكر أن تعدد الجيوش لا يعرقل التحول الديمقراطي المدني ولا يؤثر على العملية الانتخابية في نهاية الفترة الانتقالية، وأرجع ذلك لتوفر الإرادة السياسية.

آثار اتفاق سلام جوبا

غير أن الصحفي عادل إبراهيم الشهير بـ(كلر) المهتم بالشؤون العسكرية والسياسية تحدث في إفادة لـ (مدنية نيوز) في (3) جزئيات وقال إن الجزء الأول يتحدث عن المشاكل البنيوية والهيكلية الموجودة في اتفاق جوبا للسلام الذي وقع يوم 3 أكتوبر 2020، وأشار إلى أن الديباجة السياسية في الاتفاق قننت للأطراف المسلحة الموقعة على عملية السلام حمل السلاح لمدة (40) شهراً من تاريخ التوقيع وتنتهي بإجراء الانتخابات، وأن الاتفاق نص على أن تكون الفترة الانتقالية 39 شهراً. وأضاف أن الاتفاق وضع السودان في مفارقة غير مسبوقة في تاريخ اتفاقيات السلام وفي تاريخ الانتقال للديمقراطية، وأمن الاتفاق على أن تخوض القوى السياسية المدنية الشهر الأخير من عمر الفترة الانتقالية من أجل التعبئة الجماهيرية وقيادة الحملات الانتخابية وفترة الصمت الانتخابي أمام قوة حاملة للسلاح و(هذا اشكال كبير يتعارض في جوهره مع المبادئ الحاكمة للأحزاب السياسية باعتبارها أحزاب سياسية مدنية غير حاملة للسلاح، وهذا تناقض كبير جداً ويعد قنبلة موقوتة سوف تشتعل في الفترة الانتخابية).

وتابع الصحفي عادل (كلر) أن خللاً كبيراً جداً صاحب عملية السلام التي سوف تؤثر على العملية الانتخابية في نهاية الفترة الانتقالية كبعض الفصائل مثل حركة (تمازج) غير موجودة في الإعلان السياسي لاتفاق سلام جوبا لكنها موجودة في بند الترتيبات الأمنية ولديها قوات وشاركت بفاعلية في الانقلاب الأخير يوم 25 أكتوبر وهي من الداعمين الرئيسين، وجميع السودانيين يعرفون من هي تمازج وكيف تم تشكيلها ومن شكلها وماهي الأطراف المستفيدة من وجود مليشيا أو فصيل مثل تمازج في المشهد السياسي؟.

وفي الجزء الثاني من الإفادة مضى عادل للإشارة إلى طبيعة الفترة الانتقالية التي تمت على أساس الشراكة المعيبة ما بين المدنيين والعسكريين في عام 2019، الأمر الذي يقنن أوضاعاً متناقضة وتعقيد الصلاحيات ما بين سيادي وتنفيذي ما بين مدني وعسكري وتغول العسكريين على ملف السلام وتخريبه وترك أمر إصلاح المؤسسة العسكرية للعسكريين وليس المدنيين. أما الإتجاه الأخير هو تعقيد بند الترتيبات الأمنية كالتسريح وإعادة الدمج وتأهيل الجنود اقتصادياً حتى يندمجوا في المجتمع وغيرها من القضايا.

استدامة الديمقراطية

ومن جانبه ذكر الناشط السياسي والحقوقي منتصر إبراهيم في إفادة لـ(مدنية نيوز): بالتأكيد أن ملف هيكلة القطاع العسكري من أعقد المهمات التي تواجه عمليات الانتقال؛ ويصبح الأمر أكثر تعقيداً مع تعدد الجيوش في حالة خروج بلدٍ ما من حرب أهلية كحالتنا؛ إذن فالأمر واضح، وكلما تأخر الوقت فإن تكلفة إجراء العمليات المطلوبة تصبح أعلى، إذ تلقي بظلالها على كل المستويات، منها مستوى بناء الدولة ومستوى إصلاح النظام السياسي الخاص بتنظيم علاقات المصالح والمستوى الأهم هنا هو مستوى استقرار النظام السياسي واستدامة الديمقراطية.

وأضاف: الآن نحن نواجه كل سيناريوهات تأخر عملية هيكلة القطاع العسكري، إذ لا توجد مؤسسة تناسب المرحلة الانتقالية لتكون مؤتمنة أو جديرة بالثقة في مرحلة لا تتطلب أكثر من بناء الثقة لتنجح الفترة الانتقالية؛ كل هذه القوى نزّاعة نحو احتكار السلطة وذات أجندة انقلابية أو لا تمتلك عقيدة سياسية تتناسب مع روح المرحلة؛ وفي ذلك خطر كبير، أضف إلى ذلك فإن المسار المدني الذي يسعى إلى فتح المجال نحو التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات يكون محفوف بالمخاطر في ظل غياب أفق لحل معضلة تعدد الجيوش وعدم حصر السلاح لدى جهة واحدة؛ إذ يعني ذلك عملياً عدم وجود دولة بأبسط تعريف.

عرقلة الانتقال

ومن جهته لفت رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة “عبد العزيز الحلو”- بمناطق سيطرة الحكومة د. محمد يوسف أحمد المصطفى، إلى أن وجود حركات مسلحة تشارك في العملية السياسية يعد من المعوقات الأساسية لعملية التحول المدني الديمقراطي، وقال في إفادة لـ(مدنية نيوز): (لا يمكن أن تكون وزيراً وتمتلك سلاحاً وتتاجر وتمارس السياسة – هذا يقدح في عملية التحول الديمقراطي لأنه لا توجد لديك نية صادقة في التحول وبذلك تسعى للمحافظة على امتيازاتك.

وأوضح محمد يوسف، أن الحركة الشعبية رفضت اتفاق سلام جوبا نتيجة للخلل الكبير الذي صاحبها والعمل على حل القضايا والمشكلات بشكل جزئي ومناطقي، وأبان أن رؤيتهم تطالب بحل كل القضايا القومية لكل السودانيين ولابد من معالجة السياسات العامة في المركز ومن ثم يتم معالجة مشاكل الأقاليم، وذكر: (لا يستقيم الظل والعود أعوج).

وفيما يتعلق بتعدد الجيوش في الوقت الراهن رأى رئيس الحركة الشعبية أن تعدد الجيوش في البلاد خطر على الأمن والاستقرار وكل جماعة تتلقى سلطتها من مركز مختلف لابد من توحيد القوة والقيادة ويتم تحويلها لسلطة استخدام السلاح، وتعدد مراكز السلطة واستخدام السلاح يؤدي إلى الفوضى الشاملة وهو خطر على أمن المواطنين وهذا يضعف الجيش الذي يفترض أن يقوم بمهمة حماية البلاد وحماية كرامة المواطن وحقوقه الدستورية.

واختتم محمد يوسف، حديثه بأن مصلحة الحركات المسلحة مع الدكتاتورية والفوضى لأنها طبيعتها، وخير دليل على ذلك اتفاق سلام جوبا والدكتاتورية هي المناخ الخصب حتى تعيش في أجوائه – الحركات هم أتباع السلطة ولا يودون التحول الديمقراطي.

تعدد الجيوش

وفي السياق قال عضو مجلس السيادة الانتقالي، رئيس الوفد الحكومي للتفاوض مع الحركات المسلحة في جوبا قبل انقلاب (25) أكتوبر محمد الحسن التعايشي لـ(مدنية نيوز) الأسبوع الماضي إن ظاهرة تعدد الجيوش مرتبطة باستمرار الحرب الأهلية في السودان منذ (4) عقود (الحرب الأهلية في جنوب السودان، والحرب الأهلية في كل من دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة وفي شرق السوان)، وإن المؤسسة العسكرية الحكومية استعانت بمجموعات عسكرية في سبيل حربها وهذا الواقع خلق جيوشاً متعددة.

واعتبر التعايشي، أن تعدد الجيوش في السودان مرتبط بـ (3) قضايا أساسية: أولاً قضية الديمقراطية وثانياً السلام المستدام وأخيراً قضية التنمية، (لأنه لا توجد دولة يمكنها النمو إذا كانت تصرف أغلب مواردها على الحرب الأهلية، ولا يمكن لدولة أن تؤسس على أسس ديمقراطية ومدنية إذا كان هناك تعدد للجيوش وأدوار هذه الجيوش غير محددة في العملية السياسية، ثم ليس هناك سلام دائم ومستدام إذا لم نعالج قضايا الجيوش وتعددها في البلاد).

ونبه التعايشي، إلى أن العملية الانتخابية في السودان رهينة بقضيتين أساسيتين أولاً الترتيبات الأمنية التي تعمل على دمج الجيوش المتعددة في جيش وطني واحد ذي عقيدة قتالية معروفة، ومن ثم إجراء إصلاحات هيكلية في المؤسسة العسكرية وتحديد علاقة المؤسسة العسكرية بشكل قطعي من العملية السياسية في السودان، وثانياً فإن الانتخابات ليست مرتبطة فقط بالترتيبات الأمنية فهي أيضاً مرتبطة بتطبيق برتكول النازحين واللاجئين في السودان وهناك ما يفوق (5) ملايين مواطن سوداني إما نازح أو متواجد كلاجئ في دول الجوار نتيجة للحرب الأهلية التي تطاولت في البلاد.

وأردف بالقول: (لا يمكن أن تجرى انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها كل السودانيين بمساواة وعدالة إلا إذا نفذنا بند اللاجئين والنازحين وأعدناهم لمناطقهم الأصلية قبل الحرب لكي يصبحوا مواطنين سودانيين يتمتعون بحقوق اقتصادية واجتماعية متساوية)، وزاد: (لذلك فإن ربط العملية الانتخابية بنهاية الفترة الانتقالية يجب أن يرتبط بالإصلاحات التي تتم في المؤسسة العسكرية لضمان عدم تدخل الجيش في العملية السياسية، وكذلك يجب أن يرتبط بعودة النازحين واللاجئين لضمان مشاركتهم).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *